وفيها خلع المنصور قبل ذلك من ولاية العهد بعده عيسى بن موسى ، الّذي حارب له الأخوين إبراهيم ومحمدا ، وظفر بهما ، وتوطّد ملك المنصور بهمّة عيسى ، فكافأه وخلعه مكرها من ولاية العهد ، وقدّم عليه ولده المهديّ ، فقيل إنه أرضى عيسى بأن جعله وليّ العهد بعد ابنه المهديّ.
وكان السفاح لما احتضر جعل الخلافة للمنصور ، ثم بعده لعيسى ، وقد لاطفه المنصور ، وكلّمه بألين الكلام في ذلك ، فقال : يا أمير المؤمنين فكيف بالأيمان والعهود والمواثيق التي عليّ وعلى المسلمين ، فلما رأى المنصور امتناعه تغيّر له ، وأعرض عنه ، وجعل يقدّم المهديّ عليه في المجالس ، ثم شرع المنصور يدسّ من يحفر عليه بيته ليسقط عليه ، فجعل يتحفّظ ويتمارض.
وقيل : بل سقاه المنصور فاستأذن في الذهاب إلى الكوفة ليتداوى ، وكان الّذي جرّأه على ذلك طبيبه بختيشوع ، وقال له : والله ما أجسر على معالجتك ، وما آمن على نفسي ، فأذن له المنصور ، وبلغت العلّة من عيسى كلّ مبلغ ، حتى تمعّط شعره ، ثم إنه نصل من علّته ، ثم سعى موسى ولد عيسى بن موسى في أن يطيع أبوه المنصور ، خوفا عليه منه وعلى نفسه ، ودبّر حيلة أوحاها إلى المنصور ، فقال : مر بخنقي قدّام أبي إن لم يخلع نفسه ، قال : فبعث المنصور من فعل به ذلك ، فصاح أبوه وأذعن بخلع نفسه ، وقال : هذه يدي بالبيعة للمهديّ ، وأشهدك أن نسواني طوالق ، وعبيدي أحرار ، وما أملك في سبيل الله.
وقيل : إن المنصور لما أراد البيعة للمهديّ بالعهد ، تكلم الجند في ذلك فكان عيسى إذا ركب يسمعونه ما يكره ، فشكاهم إلى المنصور ، فلم يمنع في الباطن ، ومنع في الظاهر ، فأسرفوا ، حتى خلع الرجل نفسه.
وقيل : إن خالد بن برمك مضى إليه في ثلاثين نفسا برسالة المنصور ،