قال : أمير المؤمنين أقوى على الكفّارة من عمّك.
أبو خليفة : نا محمد بن سلام قال : قيل للمنصور هل بقي من لذّات الدنيا شيء لم تنله؟ قال : بقيت خصلة : أن أقعد في المصطبة وحولي أصحاب الحديث فيقول المستملي : من ذكرت رحمك الله. قال فغدا عليه الندماء وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر ، فقال : لستم بهم إنما هم الدنسة ثيابهم ، المشقّقة أرجلهم ، الطويلة شعورهم برد الآفاق ونقلة الحديث (١).
الصولي : ثنا أحمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن أبيه قال : قال عبد الصمد بن علي للمنصور : يا أمير المؤمنين لقد هممت (٢) بالعقوبة حتى كأنك لم تسمع بالعفو ، قال : لأن بني أمية لم تبل رممهم ، وآل أبي طالب لم تغمد سيوفهم ، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة ، واليوم خلفاء ، فليس تتمهّد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو.
وروي أن هشام بن عروة دخل على المنصور فقال : يا أمير المؤمنين اقض عني ديني ، قال : فكم دينك؟ قال : مائة ألف. قال : وأنت في فقهك وفضلك تأخذ مائة ألف ليس عندك قضاؤها! قال : شبّ فتيان لي فأحببت أن أبوّئهم (٣) وخشيت أن ينتشر عليّ من أمرهم ما أكره (٤) فبوّأتهم واتخذت لهم منازل وأولمت عنهم ثقة بالله وبأمير المؤمنين ، قال فردّد عليه : مائة ألف! استنكارا لها ، ثم قال : قد أمرنا لك بعشرة آلاف ، فقال : يا أمير المؤمنين أعطني ما تعطي وأنت طيّب النفس فإنّي سمعت أبي يحدّث عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (من
__________________
(١) في البداية والنهاية ١٠ / ١٢٦ زيادة : (وقطاع المسافات ، تارة بالعراق وتارة بالحجاز وتارة بالشام وتارة باليمن).
(٢) في الأصل (هجمت).
(٣) أي أزواجهم. وفي الأصل «أبوهم».
(٤) (ما أكره) غير موجودة في الأصل ، فاستدركتها من ترجمة (هشام بن عروة) السالفة.