وعنه ولده المهدي.
وكان قبل أن يلي الإمامة يقال له عبد الله الطويل. ضرب في الآفاق إلى الجزيرة والعراق وأصبهان وفارس قال أبو بكر الجعابيّ : كان المنصور يلعب في صغره بمدرك التراب. أتته البيعة بالخلافة بعد موت أخيه السفاح وهو بمكة بعهد السفاح لما احتضر إليه ، فوليها اثنتين وعشرين سنة. وكان أسمر طويلا نحيفا مهيبا خفيف العارضين معرق الوجه رحب الجبهة يخضّب بالسواد كأنّ عينيه لسانان ناطقان ، تخالطه أبّهة الملك بزيّ النّسّاك تقبله القلوب وتتبعه العيون ، وكان أقنى الأنف بين القنا. وقد مر من أخباره في الحوادث ما يدلّ على أنه كان فحل بني العباس هيبة وشجاعة وحزما ورأيا وجبروتا ، وكان جمّاعا للمال ، تاركا للهو ، واللعب ، كامل العقل ، جيّد المشاركة في العلم والأدب ، فقيه النفس ، قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه. وكان في الجملة يرجع إلى عدل وديانة وله حظ من صلاة وتديّن ، وكان فصيحا بليغا مفوّها ، خليقا للإمارة.
وقد ولي بعض كور فارس في شبيبته لعاملها سليمان بن حبيب بن المهلّب الأزدي ثم عزله وضربه ضربا مبرّحا لكونه احتجز المال لنفسه ثم أغرمه المال ، فلما ولي المنصور الخلافة ضرب عنقه.
وكان المنصور يلقّب أبا الدوانيق لتدقيقه ومحاسبته العمال والصنّاع على الدوانيق والحبّات. وكان مع هذا ربما يعطي العطاء العظيم.
قال أبو إسحاق الثعالبي : وعلى شهرة المنصور بالبخل ذكر محمد بن سلام أنه لم يعط خليفة قبل المنصور عشرة آلاف ألف دارت بها الصّكاك وثبتت في الدواوين فإنه أعطى في يوم واحد كل واحد من عمومته عشرة آلاف ألف درهم.