عيسى قد أقبل على فرس فدعا إلى البراز ، فخرج إليه راجل عليه قباء أبيض ، فنزل إليه الفارس ، فقتله الراجل ورجع ، ثم برز آخر من أصحاب عيسى ، فبرز له ذلك الرجل ، فقتله ، ثم برز ثالث فقتله ، فاعتوره أصحاب عيسى يرمونه ، فأثبتوه ، فأسرع فما وصل إلى أصحابه حتى خرّ صريعا ، ودام القتال من بكرة إلى العصر ، وطمّ أصحاب عيسى الخندق ، وجاءت الخيل ، وذهب محمد يومئذ قبل الظهر ، فاغتسل وتحنّط ، ثم جاء. قال عبد الله بن جعفر ، فقلت له : بأبي أنت وأمي ، مالك بما ترى طاقة ، فاخرج تلحق بالحسن بن معاوية بمكة ، فإنّ معه جلّ أصحابك ، فقال : لو رحت لقتل هؤلاء ، فو الله لا أرجع حتى أقتل أو أقتل ، وأنت مني في سعة فاذهب حيث شئت (١).
وقال إبراهيم بن محمد : رأيت محمدا عليه جبّة ممشّقة وهو على برذون ، وابن خضير (٢) يناشده الله إلا مضى إلى البصرة ، ومحمد يقول : والله لا تبلوّن بي مرتين ، ولكن اذهب فأنت في حلّ. فقال : وأين المذهب عنك؟ ثم مضى فأحرق الديوان وقتل رياحا في الحبس ، ثم لحق محمدا بالثنيّة ، فقاتل حتى قتل (٣).
وقيل : قتل مع رياح أخاه عباس بن عثمان ، وكان مستقيم الطريقة ، فعاب الناس ذلك عليه ، ثم إن محمدا صلّى العصر وعرقب فرسه ، وعرقب بنو شجاع دوابّهم ، وكسروا أجفان سيوفهم ، فقال لهم : قد بايعتموني ولست بمبايع حتى أقتل ، ثم أنه حمل وهزم أصحاب عيسى مرتين ، ثم جاء أصحاب عيسى من ناحية بني غفار ، وجاءوا من خلف محمد وأصحابه ، فنادى محمد حميد بن قحطبة : إن كنت فارسا فابرز ، فلم يبرز له ، وجعل حميد يدعو
__________________
(١) الطبري ٧ / ٥٨٩ ـ ٥٩١.
(٢) في نسخة القدسي ٦ / ١٨ «حصين» والتصحيح من الطبري ٧ / ٥٩١ وابن الأثير ٥ / ٥٤٧.
(٣) الطبري ٧ / ٥٩١ ، ابن الأثير ٥ / ٥٤٧ و٥٤٨.