الذي يعتري البشر عند ما يستخفهم الفرج ، أو يستنفزهم الطرب ، غير جائز على الله عزوجل ، وهو منفي عن صفاته ، وإنما هو مثل ضربه لهذا الصنيع الذي يحل محل العجب عند البشر ، فإذا رأوه أضحكهم ، ومعناه في صفة الله تعالى عزوجل الإخبار عن الرضا بفعل أحدهما ، والقبول للآخر ومجازاتهما على صنيعهما الجنة ، مع اختلاف أحوالهما وتباين مقاصدهما. قال ونظير هذا ما رواه أبو عبد الله البخاري في موضع آخر من هذا الكتاب ، يعني ما أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا يحيى بن محمد نا مسدد نا عبد الله بن داود عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فبعث إلى نسائه فقلن ما عندنا إلا الماء ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار أنا ، فانطلق به إلى امرأته فقال أكرمي ضيف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالت ما عندنا إلا قوت الصبيان ، فقال هيئي طعامك وأصلحي سراجك ونوّمي صبيانك ، إذا أرادوا العشاء ، فهيأت طعامها ، وأصلحت سراجها ونوّمت صبيانها ، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته ، وجعلا يريانه كأنهما يأكلان ، فباتا طاويين ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لقد ضحك الله الليلة ـ أو عجب ـ من فعالكما ، وأنزل الله عزوجل (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (١). رواه البخاري في الصحيح عن مسدد. وأخرجه أيضا من حديث أبي أسامة عن فضيل ، وأخرجه مسلم من أوجه أخر عن فضيل. وقال بعضهم في الحديث عجب ، ولم يذكر الضحك. قال البخاري معنى الضحك الرحمة ، قال أبو سليمان قول أبي عبد الله قريب ، وتأويله على معنى الرضا لفعلهما أقرب وأشبه ، ومعلوم أن الضحك من ذوي التميز يدل على الرضا والبشر ، والاستهلال منهم دليل قبول الوسيلة ، ومقدمة إنجاح الطلبة ، والكرام يوصفون عند المسألة بالبشر وحسن اللقاء ، فيكون المعنى في قوله يضحك الله إلى رجلين» أي نجزل العطاء لهما لأنه موجب الضحك ومقتضاه قال زهير :
__________________
(١) رواية الإمام البخاري في كتاب مناقب الأنصار ١٠ باب قول الله عزوجل (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) سورة الحشر آية ٩ ، ٣٧٩٨ بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم وذكره.