وروى ذلك من وجه آخر ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. ورويناه فيما مضى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقوله في هذه الرواية : «هذا ما كتب لي» يريد ما أمر بكتابته أو أملاه ، وقد رويناه في خبر الأسامي مالك الملك.
قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه : معناه أن الملك بيده يؤتيه من يشاء كقوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) (١). وقد يكون معناه : مالك الملوك ، كما يقال : رب الأرباب ، وسيد السادات. وقد يحتمل أن يكون معناه : وارث الملك يوم لا يدعي الملك مدّع ولا ينازعه فيه منازع ، كقوله (عزوجل) : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) (٢).
ومنها : (الجبار) (٣) : قال الحليمي في قول من يجعله من الجبر الذي هو نظير الإكراه لأنه يدخل فيه إحداث الشيء عن عدم. فإنه إذا أراد وجوده ، كان ولم يتخلف كونه عن حال إرادته ، ولا يمكن فيه غير ذلك ، فيكون فعله له كالجبر ، إذ الجبر طريق إلى دفع الامتناع عن المراد. فإذا كان ما يريده الباري (جل وعز) لا يمتنع عليه ، فذاك في الصورة جبر. وقد قال الله (عزوجل) : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٤).
وقد قيل في معنى الجبار غير هذا. فمن ألحقه بهذا الباب ، لم يميزه عن الإبداع ، وجعل الاعتراف له بأنه بديع اعترافا له بأنه جبار.
وقال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه : الجبار الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه. يقال : جبره السلطان وأجبره بالألف. ويقال : هو
__________________
(١) سورة آل عمران آية ٢٦.
(٢) سورة الفرقان آية ٢٦.
(٣) قال تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) سورة الحشر آية ٢٣.
(٤) سورة فصلت آية ١١.