وحكى الأستاذ أبو بكر بن فورك هذه الطريقة عن بعض أصحابنا أنه قال : استوى بمعنى علا ثم قال : ولا يريد بذلك علوا بالمسافة والتحيز والكون في مكان متمكنا فيه ، ولكن يريد معنى قول الله عزوجل (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) (١) أي من فوقها على معنى نفي الحد عنه ، وأنه ليس مما يحويه طبق أو يحيط به قطر ، ووصف الله سبحانه وتعالى بذلك طريقة الخبر ، فلا تتعدى ما ورد به الخبر.
قلت : وهو على هذه الطريقة من صفات الذات ، وكلمة ثم تعلقت بالمستوى عليه ، لا بالاستواء ، وهو كقوله (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) (٢) يعني ثم يكون عجلهم فيشهده ، وقد أشار أبو الحسن علي بن اسماعيل إلى هذه الطريقة حكاية ، فقال وقال بعض أصحابنا ، إنه صفة ذات ، ولا يقال لم يزل مستويا على عرشه ، كما أن العلم بأن الأشياء قد حدثت من صفات الذات ، ولا يقال لم يزل عالما بأن قد حدثت ، ولما حدثت بعد ، قال وجوابي هو الأول وهو أن الله مستو على عرشه ، وأنه فوق الأشياء بائن منها بمعنى أنها لا تحله ولا يحلها ، ولا يمسها ولا يشبهها. وليست البينونة بالعزلة تعالى الله ربنا عن الحلول والمماسة علوا كبيرا.
قال وقد قال بعض أصحابنا : إن الاستواء صفة الله تعالى ينفي الاعوجاج عنه وفيما كتب إلى الاستاذ أبو منصور بن أبي أيوب أن كثيرا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن الاستواء هو القهر والغلبة ، ومعناه أن الرحمن غلب العرش وقهره ، وفائدته الاخبار عن قهره مملوكاته ، وأنها لم تقهره ، وإنما خص العرش بالذكر لأنه أعظم المملوكات ، فنبه بالأعلى على الأدنى ، قال والاستواء بمعنى القهر والغلبة شائع في اللغة ، كما يقال استوى فلان على الناحية إذا غلب أهلها.
وقال الشاعر في بشر بن مردان (٣) :
__________________
(١) سورة الملك آية ١٦.
(٢) سورة يونس آية ٤٦.
(٣) راجع ترجمة له وافية فيما سبق.