مسلم في الصحيح عن قتيبة (١). وأخرجه أيضا من حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة يرفعه ، قال أبو سليمان الخطابي رحمهالله : هذا يتأول على وجهين : ـ أحدهما : أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد. فإن الخير من الناس يحن إلى شكله ، والشرير يميل إلى نظيره ومثله. والأرواح إنما تتعارف بضرائب طباعها التي جبلت عليها من الخير والشر. فإذا اتفقت الأشكال تعارفت وتآلفت. وإذا اختلفت تنافرت وتناكرت. ولذلك صار الإنسان يعرف بقرينة ، ويعتبر حاله بإلفه وصحبه. والوجه الآخر : إنه إخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما روي في الأخبار أن الله عزوجل خلق الأرواح قبل الأجسام ، وكانت تلتقي فتشام كما تشام الخيل. فلما التبست بالأجسام تعارفت بالذكر الأول ، فصار كل منهما إنما يعرف وينكر على ما سبق له من العهد المتقدم والله أعلم.
قلت : وأما قوله في عيسى عليه الصلاة والسلام : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) (٢) يريد جيب درع مريم عليهاالسلام. وقوله : «فيها» يريد نفس مريم. وذلك أن جبريل عليه الصلاة والسلام نفخ في جيب درعها ، فوصل النفخ إليها. وقوله (مِنْ رُوحِنا) أي : من نفخ جبريل عليهالسلام.
قال القتيبي : الروح : النفخ. سمى روحا لأنه ريح يخرج عن الروح.
قال ذو الرمة :
فقلت له : ارفعها إليك وأحيها |
|
بروحك واجعله لها قينة قدرا |
قوله : أحيها بروحك ، أي : أحيها بنفخك. فالمسيح ابن مريم روح الله ، لأنه كان بنفخة جبريل عليه الصلاة والسلام في درع مريم. ونسب الروح إليه لأنه بأمره كان.
قال بعض المفسرين : وقد تكون الروح بمعنى الرحمة.
__________________
(١) رواية الإمام مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ١٥٩ (٢٦٣٨) عن طريق قتيبة بن سعيد بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : وذكره.
(٢) سورة التحريم آية ١٢.