يكون قد استعمله مع هذا الحبر. والدليل على صحة ذلك أنه لم ينطق فيه بحرف تصديقا له أو تكذيبا ، إنما ظهر منه في ذلك الضحك المخيل للرضا مرة ، والتعجب والإنكار أخرى. ثم تلا الآية ، والآية محتملة للوجهين معا ، وليس فيها للإصبع ذكر. وقول من قال من الرواة : «تصديقا لقول الحبر» ظن وحسبان. والأمر فيه ضعيف إذ كان لا تمحض شهادته لأحد الوجهين ، وربما استدل المستدل بحمرة اللون على الخجل ، وبصفرته على الوجل ، وذلك غالب مجرى العادة في مثله ، ثم لا يخلو ذلك من ارتياب وشك في صدق الشهادة منهما بذلك لجواز أن تكون الحمرة لهياج دم وزيادة مقدار له في البدن ، وأن تكون الصفرة لهياج مواد وثوران خلط ، ونحو ذلك ، فالاستدلال بالتبسم والضحك في مثل هذا الأمر الجسيم قدره ، الجليل خطره غير سائغ مع تكافؤ وجهي الدلالة المتعارضين فيه. ولو صح الخبر من طريق الرواية كان ظاهر اللفظ منه متأولا على نوع من المجاز أو ضرب من التمثيل قد جرت به عادة الكلام بين الناس في عرف تخاطبهم ، فيكون المعنى في ذلك على تأويل قوله عزوجل (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (١) ، أي : قدرته على طيها وسهولة الأمر في جمعها ، وقلة اعتياصها عليه بمنزلة من جمع شيئا في كفه ، فاستخف حمله ، فلم يشتمل بجميع كفه عليه ، لكنه يقله ببعض أصابعه ، فقد يقول الإنسان في الأمر الشاق إذا أضيف إلى الرجل القوي المستقل بعيبه إنه ليأتي عليه باصبع واحدة ، أو انه يعمله بخنصره ، أو أنه يكفيه بصغرى أصابعه ، أو ما أشبه ذلك من الكلام الذي يراد به الاستظهار في القدرة عليه والاستهانة به كقول الشاعر :
الرمح لا أملأ كفي به |
|
واللبد لا أتبع تزاوله |
يريد أنه لا يتكلّف ، أي يجمع كفه ، فيشتمل بها كلها على الرمح ، لكن يطعن به خلسا بأطراف أصابعه.
__________________
(١) سورة الزمر آية ٦٧.