أخبرنا أبو العباس سعيد بن أبي عمرو ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد ابن الجهم ، قال : قال الفراء : اليمين القوة والقدرة. قال الشاعر.
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقاها عرابة باليمين. |
وقال في قوله : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (١) بالقدرة والقوة. وقال في قوله : (كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) (٢) يقول : كنتم تأتوننا من قبل الدين. أي : تأتوننا تخدعوننا بأقوى الوجوه. قالوا : واليمين المذكور في الأخبار التي ذكرناها محمول في بعضها على القوة والقدرة. وهو ما في الأخبار التي وردت على وفق الآية ، وفي بعضها على حسن القبول ، لأن في عرف الناس أن أيمانهم تكون مرصدة لما عز من الأمور ، وشمائلهم لما هان منها. والعرب تقول : فلان عندنا باليمين. أي : بالمحل الجليل. ومنه قول الشاعر :
أقول لناقتي إذا بلغتني |
|
لقد أصبحت عندي باليمين |
أي : بالمحل الجليل. وأما قوله : كلتا يديه يمين ، فإنه أراد بذلك التمام والكمال. وكانت العرب تحب التيامن ، وتكره التياسر لما في التياسر من النقصان وفي التيامن من التمام. وقال أبو سليمان الخطابي رحمهالله : ليس فيما يضاف إلى الله عزوجل من صفة اليدين شمال لأن الشمال محل النقص والضعف. وقد روي : كلتا يديه يمين (٣). وليس معنى اليد عندنا الجارحة ، إنما هو صفة جاء بها التوقيف ، فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها ، وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والأخبار المأثورة الصحيحة ، وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
قلت : وأما قوله : في كف الرحمن معناه عند أهل النظر في ملكه وسلطانه. ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن صح فيما أخبرنا أبو نصر بن
__________________
(١) سورة الحاقة آية ٤٥.
(٢) سورة الصافات آية ٢٨.
(٣) الحديث أخرجه الامام مسلم ـ في كتاب الامارة ، ٥ باب فضيلة الامام العادل ١٨ (١٧٢٧) عن عمرو بن أوس ، عن عبد الله بن عمرو قال ابن نمير وأبو بكر يبلغ به النبي صلىاللهعليهوسلم وفي حديث زهير قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذكره.