وأما التكليم فقد قال الله (عزوجل) : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (١).
ثم كان فيما أوحى إليه ليلة المعراج خمسين صلاة. فلم يزل يسأل ربه التخفيف لأمته حتى صار إلى خمس صلوات. وقال له ربه (تبارك وتعالى) : «إني لا يبدل القول لدي ، هي كما كتبت عليك في أم الكتاب ، ولك بكل حسنة عشر أمثالها. هي خمسون في أم الكتاب ، وهي خمس عليك». وقد مضى الحديث فيه ، واختلف الصحابة رضي الله عنهم في رؤيته ربه (عزوجل) ، فذهبت عائشة رضي الله عنها إلى أنه صلىاللهعليهوسلم لم يره ليلة المعراج. وذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنه صلىاللهعليهوسلم رآه ليلة المعراج. ونحن نذكر الأخبار في ذلك إن شاء الله تعالى في مسألة الرؤية. وقد ذهب الزهري رحمهالله في تقسيم الوحي إلى زيادة بيان. وذلك فيما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ، أنا أبو الحسن المحمودي ، حدثنا أبو عبد الله ، محمد بن علي الحافظ ، حدثنا أبو موسى ، محمد بن المثنى ، حدثنا حجاج بن منهل ، حدثنا عبد الله بن عمر ، عن يونس بن يزيد ، سمعت الزهري حين سئل عن قول الله (عزوجل) : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ...) (٢) الآية.
قال : نزلت هذه الآية تعم من أوحى الله إليه من النبيين. قال : فالكلام كلام الله تعالى الذي كلم به موسى من وراء حجاب. والوحي ما يوحي الله به إلى النبي من أنبيائه ، فيثبت الله تعالى ما أراد من وحيه في قلب النبي ، فيتكلم به النبي صلىاللهعليهوسلم ويبينه ، وهو كلام الله ووحيه. ومنه ما يكون بين الله ورسله لا يكلم به أحد من الأنبياء أحدا من الناس ، ولكنه سر غيب بين الله ورسله. ومنه ما يتكلم به الأنبياء ولا يكتبونه لأحد ، ولا يأمرون بكتابته ، ولكنهم يحدثون به الناس حديثا ، ويبينون لهم أن الله (تعالى) أمرهم أن يبينوه للناس ويبلغوهم. ومن الوحي ما يرسل الله به من يشاء ، فيوحون به وحيا في
__________________
(١) سورة النجم آية ١٠.
(٢) سورة الشورى آية ٥١.