وهو يعلم المجاهدين والصابرين بغير ابتلاء ، ففيه وجهان :
أحدهما : أن العرب تشترط للجاهل إذا كلمته شبه هذا شرطا تسنده إلى أنفسها ، وهي عالمة ، ومخرج الكلام كأنه لمن لا يعلم من ذلك أن يقول القائل : النار تحرق الحطب. فيقول الجاهل ، بل الحطب يحرق النار. فيقول العالم : سنأتي بحطب ونار لنعلم أيهما يأكل صاحبه ، أو قال : أيهما يحرق صاحبه ، وهو عالم ، فهذا وجه بين. والوجه الآخر : أن يقول : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) (١).
معناه : حتى نعلم عندكم ، فكأن الفعل لهم في الأصل. ومثله مما يدلك عليه قوله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٢).
عندكم يا كفرة. ولم يقل : عندكم. وذلك معناه. ومثله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٣).
أي عند نفسك ، إذ كنت تقوله في دنياك. ومثله : قال الله لعيسى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) (٤).
وهو يعلم ما يقول وما يجيبه. فرد عليه عيسى. وعيسى يعلم أن الله لا يحتاج إلى إجابته. فكما صلح أن يسأل عما يعلم ، ويلتمس من عبده ونبيه الجواب. فكذلك يشترط ما يعلم من فعل نفسه ، حتى كأنه عند الجاهل لا يعلم.
وحكى المزني عن الشافعي رضي الله عنه في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) (٥).
يقول : إلا لنعلم أن قد علمتم من يتبع الرسول. وعلم الله تعالى كان
__________________
(١) سورة محمد آية ٣١.
(٢) سورة الروم آية ٢٧.
(٣) سورة الدخان آية ٤٩.
(٤) سورة المائدة آية ١١٦.
(٥) سورة البقرة آية ١٤٣.