أحدهما : أن نقر العصفور ليس بناقص للبحر ، فكذلك علمنا لا ينقص من علمه شيئا. وهذا كما قيل :
ولا عيب فينا غير أن سيوفنا |
|
بهن فلول من قراع الكتائب |
أي ليس فينا عيب. وعلى هذا قول الله (عزوجل) (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) (١). أي لا يسمعون فيها لغوا البتة.
والآخر : أن قدر ما أخذناه جميعا من العلم إذا اعتبر بعلم الله (عزوجل) الذي أحاط بكل شيء لا يبلغ من علم معلوماته في المقدار إلا كما يبلغ أخذ هذا العصفور من البحر. فهو جزء يسير فيما لا يدرك قدره ، فكذلك القدر الذي علمناه الله تعالى في النسبة إلى ما يعلمه (عزوجل) كهذا القدر اليسير من هذا البحر. والله ولي التوفيق.
قلت : وقد رواه حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير مبينا ، إلا أنه وقفه على ابن عباس رضي الله عنهما. أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا إسماعيل بن الخليل ، أنا علي بن مسهر ، أنا الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : بينما موسى يخاطب الخضر ، والخضر يقول : ألست نبي بني إسرائيل ، فقد أوتيت من العلم ما تكتفي به ، وموسى يقول له : إني قد أمرت باتباعك. والخضر يقول : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (٢).
قال : فبينا هو يخاطبه ، إذ جاء عصفور ، فوقع على شاطئ البحر ، فنقر منه نقرة ، ثم طار فذهب ، فقال الخضر لموسى : يا موسى ، هل رأيت الطير أصاب من البحر؟ قال : نعم. قال : ما أصبت أنا وأنت من العلم في علم الله (عزوجل) إلا بمنزلة ما أصاب هذا الطير من هذا البحر.
__________________
(١) سورة مريم آية ٦٢.
(٢) سورة الكهف آية ٦٧.