(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢))
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ) نزلت على سبب قد ذكرناه عند قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) (١) قال ابن قتيبة : ومعنى «أم حسبت» : أحسبت. فأمّا «الكهف» فقال المفسّرون : هو المغارة في الجبل ، إلّا أنه واسع ، فإذا صغر ، فهو غار. قال ابن الأنباري : قال اللغويون : الكهف بمنزلة الغار في الجبل.
فأمّا الرّقيم ، ففيه ستة أقوال (٢) : أحدها : أنه لوح من رصاص كانت فيه أسماء الفتية مكتوبة ليعلم من اطّلع عليهم يوما من الدّهر ما قصّتهم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال وهب بن منبّه ، وسعيد بن جبير في رواية. وقال السّدّيّ : الرّقيم : صخرة كتب فيها أسماء الفتية ، وجعلت في سور المدينة. وقال مقاتل : الرّقيم : كتاب كتبه رجلان صالحان ، وكانا يكتمان إيمانهما من الملك الذي فرّ منه الفتية ، كتبا أمر الفتية في لوح من رصاص ، ثم جعلاه في تابوت من نحاس ، ثم جعلاه في البناء الذي سدّوا به باب الكهف ، فقالا : لعلّ الله أن يطلع على هؤلاء الفتية أحدا فيعلمون أمرهم إذا قرءوا الكتاب. وقال الفرّاء : كتب في اللوح أسماؤهم ، وأنسابهم ، ودينهم ، وممّن كانوا ، قال أبو عبيدة ، وابن قتيبة : الرّقيم : الكتاب ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، ومنه : كتاب مرقوم ، أي : مكتوب. والثاني : أنه اسم القرية التي خرجوا منها ، قاله كعب. والثالث : اسم الجبل ، قاله الحسن ، وعطيّة. والرابع : أنّ الرّقيم : الدّواة ، بلسان الرّوم ، قاله عكرمة ومجاهد في رواية. والخامس : اسم الكلب ، قاله سعيد بن جبير. والسادس : اسم الوادي الذي فيه الكهف ، قاله قتادة : والضّحّاك.
قوله تعالى : (كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) قال المفسّرون : ومعنى الكلام : أحسبت أنهم كانوا أعجب آياتنا؟! قد كان في آياتنا ما هو أعجب منهم ، فإنّ خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصّتهم. وقال ابن عباس : الذي آتيتك من الكتاب والسّنّة والعلم ، أفضل من شأنهم.
قوله تعالى : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ) قال الزّجّاج : معنى : أووا إليه : صاروا إليه ، وجعلوه مأواهم. والفتية : جمع فتى ، مثل غلام وغلمة ، وصبيّ وصبية. و «فعلة» من أسماء الجمع ، وليس ببناء يقاس عليه ؛ لا يجوز غراب وغربة ، ولا غنيّ وغنية ، قال بعض المفسّرين : الفتية : بمعنى الشبان. وقد ذكرنا عن القتيبي أنّ الفتى : بمعنى الكامل من الرجال ، وبيّنّاه في قوله تعالى : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) (٣). قوله تعالى : (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ) أي : من عندك (رَحْمَةً) أي : رزقا (وَهَيِّئْ لَنا) أي : أصلح لنا
__________________
(١) سورة الإسراء : ٨٥.
(٢) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٨ / ١٨٢ : وأولى هذه الأقوال بالصواب في الرقيم أن يكون معنيا به : لوح ، أو حجر أو شيء كتب فيه كتاب.
ووافقه ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٩٥ بقوله : وهذا هو الظاهر من الآية ، وهو اختيار ابن جرير.
(٣) سورة النساء : ٢٥.