بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١))
قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) الآية. هذه الآية نزلت على سببين ، نزل أوّلها إلى قوله تعالى : (الْحُسْنى) على سبب ، وفيه ثلاثة أقوال (١) :
(٩٢٢) أحدها : أنّ رسول الله تهجّد ذات ليلة بمكّة ، فجعل يقول في سجوده : «يا رحمن ، يا رحيم» ، فقال المشركون : كان محمّد يدعو إلها واحدا ، فهو الآن يدعو إلهين اثنين : الله ، والرّحمن ، ما نعرف الرّحمن إلّا رحمن اليمامة ، يعنون : مسيلمة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، قاله ابن عباس.
(٩٢٣) والثاني : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يكتب في أوّل ما أوحي إليه : باسمك اللهمّ ، حتى نزل : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٢) فكتب : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فقال مشركو العرب : هذا الرّحيم نعرفه ، فما الرّحمن؟ فنزلت هذه الآية ، قاله ميمون بن مهران.
(٩٢٤) والثالث : أنّ أهل الكتاب قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّك لتقلّ ذكر الرّحمن وقد أكثر الله في التّوراة هذا الاسم ، فنزلت هذه الآية ، قاله الضّحّاك.
فأما قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ). فنزل على سبب ، وفيه ثلاثة أقوال :
(٩٢٥) أحدها : أن رسول الله كان يرفع صوته بالقرآن بمكة فيسبّ المشركون القرآن ومن أتى به
____________________________________
(٩٢٢) ضعيف. أخرجه الطبري ٢٢٨٠١ وابن مردويه كما في «أسباب النزول» ٧٠٥ للسيوطي واللفظ بدون ذكر مسيلمة كلاهما عن ابن عباس ، وفي إسناده الحسين بن داود «سنيد» وهو ضعيف.
وأخرجه الطبري ٢٢٨٠٢ عن مكحول مرسلا. وفيه ذكر مسيلمة وهو باطل فالسورة مكية ، وأمر مسيلمة كان قبل وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم بقليل. وانظر «تفسير ابن كثير» ٣ / ٨٩ و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ٤٠٨٣ و ٤٠٨٤ وكلاهما بتخريجنا.
(٩٢٣) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٥٩٤ عن ميمون بن مهران مرسلا هكذا بلا سند ، وهو باطل ، لأن السورة مكية. وانظر «الجامع لأحكام القرآن» ٤٠٨٥ بتخريجنا.
(٩٢٤) باطل. عزاه المصنف رحمهالله للضحاك ، وهو بدون إسناد ، ومع ذلك مراسيل الضحاك واهية ، وراويته جويبر بن سعيد ذاك المتروك. والسورة مكية ، وأخبار يهود مدنية.
(٩٢٥) صحيح. أخرجه البخاري ٤٧٢٢ و ٧٤٩٠ و ٧٥٢٥ و ٢٥٤٧ ومسلم ٤٤٦ ، ١٤٥١ والترمذي ٣١٤١ والنسائي في «التفسير» ٣٢٠ وأحمد ١ / ٢٣ عن ابن عباس ، في قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قال : نزلت ورسول الله صلىاللهعليهوسلم مختف بمكة كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي : بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن (وَلا تُخافِتْ بِها) عن أصحابك فلا تسمعهم (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) لفظ البخاري. وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي ١٤٥١ بتخريجنا.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٨٩ : يقول الله تعالى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله عزوجل ، المانعين من تسميته بالرحمن : (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) لا فرق بين دعائكم له باسم «الله» أو باسم «الرحمن» فإنه ذو الأسماء الحسنى.
(٢) سورة النمل : ٣٠.