يوما ، طار الشيطان من مجلسه ، قاله وهب. والرابع : أنّ بني إسرائيل لمّا أنكروه ، أتوه فأحدقوا به ، ثم نشروا التّوراة فقرؤوا فطار من بين أيديهم حتى ذهب إلى البحر ، فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت ، قاله السّدّيّ. وفي قدر مكث الشيطان قولان : أحدهما : أربعون يوما ، قاله الأكثرون. والثاني : أربعة عشر يوما ، حكاه الثّعلبي.
وأمّا قصة سليمان عليهالسلام ، فإنه لمّا سلب خاتمه ، ذهب ملكه ، فانطلق هاربا في الأرض ، قال مجاهد : كان يستطعم فلا يطعم ، فيقول : لو عرفتموني أعطيتموني ، أنا سليمان ، فيطردونه ، حتى أعطته امرأة حوتا ، فوجد خاتمه في بطن الحوت. وقال سعيد بن جبير : انطلق سليمان حتى أتى ساحل البحر ، فوجد صيّادين قد صادوا سمكا كثيرا وقد أنتن عليهم بعضه ، فأتاهم يستطعم ، فقالوا : اذهب إلى تلك الحيتان فخذ منها ، فقال : لا ، أطعموني من هذا ، فأبوا عليه ، فقال : أطعموني ، فإنّي سليمان ، فوثب إليه رجل منهم فضربه بالعصا غضبا لسليمان ، فأتى تلك الحيتان فأخذ منها شيئا ، فشقّ بطن حوت ، فإذا هو بالخاتم. وقال الحسن : ذكر لي أنه لم يؤوه أحد من الناس ، ولم يعرف أربعين ليلة ، وكان يأوي إلى امرأة مسكينة ، فبينا هو يوما على شطّ نهر ، وجد سمكة ، فأتى بها المرأة فشقّتها فإذا بالخاتم. وقال الضّحّاك : اشترى سمكة من امرأة فشقّ بطنها فوجد خاتمه. وفي المدّة التي سلب فيها الملك قولان : أحدهما : أربعون ليلة ، كما ذكرنا عن الحسن. والثاني : خمسون ليلة ، قاله سعيد بن جبير.
قال المفسّرون : فلمّا جعل الخاتم في يده ، ردّ الله عليه بهاءه وملكه ، فأظلّته الطّير ، وأقبل لا يستقبله جنيّ ولا طائر ولا حجر ولا شجر إلّا سجد له ، حتى انتهى إلى منزله ، قال السّدّيّ : ثم أرسل إلى الشيطان ، فجيء به ، فأمر به فجعل في صندوق من حديد ، ثم أطبق عليه وأقفل ، وختم عليه بخاتمه ، ثم أمر به فألقي في البحر ، فهو فيه إلى أن تقوم الساعة. وقال وهب : جاب صخرة فأدخله فيها ، ثم أوثقها بالحديد والرّصاص ، ثم قذفه في البحر.
قوله تعالى : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فتح الياء نافع ، وأبو عمرو ، وفيه قولان : أحدهما : لا يكون لأحد بعدي ، قاله مقاتل ، وأبو عبيدة.
(١٢٢١) وقد أخرج البخاريّ ومسلم في الصّحيحين من حديث أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ عفريتا من الجنّ تفلّت عليّ البارحة ليقطع عليّ صلاتي ، فأمكنني الله منه ، فأخذته ، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلّكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فرددته خاسئا».
والثاني : لا ينبغي لأحد أن يسلبه منّي في حياتي ، كما فعل الشيطان الذي جلس على كرسيّه ، قاله الحسن ، وقتادة. وإنما طلب هذا الملك ، ليعلم أنه قد غفر له ، ويعرف منزلته بإجابة دعوته ، قاله الضّحّاك. ولم يكن في ملكه حين دعا بهذا الرّيح ولا الشياطين.
(فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ) وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو جعفر ، وأبو المتوكّل : «الرّياح» على الجمع.
____________________________________
(١٢٢١) صحيح. أخرجه البخاري ٤٦١ ومسلم ٥٤١ وأحمد ٢ / ٢٩٨ والنسائي في «التفسير» ٤٦٠ والبغوي في «شرح السنة» ٧٤٧ وابن حبان ٦٤١٩ والبيهقي ٢ / ٢١٩ كلهم من حديث أبي هريرة.