خصم ، يصلح للواحد والاثنين والجماعة والذكر والأنثى ، تقول ، هذا خصم ، وهي خصم ، وهما خصم ، وهم خصم ؛ وإنما يصلح لجميع ذلك لأنه مصدر ، تقول : خصمته أخصمه خصما. والمحراب ها هنا كالغرفة ، قال الشاعر :
ربّة محراب إذا جئتها |
|
لم ألقها أو أرتقي سلّما (١) |
و «تسوّروا» يدلّ على علوّ. قال المفسّرون : كانا ملكين ، وقيل : هما جبريل وميكائيل عليهماالسلام أتياه لينبّهاه على التّوبة وإنما قال : «تسوّروا» وهما اثنان ، لأنّ معنى الجمع ضمّ شيء إلى شيء ، والاثنان فما فوقهما جماعة.
قوله تعالى : (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ) قال الفرّاء : يجوز أن يكون معنى «تسوّروا» : دخلوا ، فيكون تكرارا ؛ ويجوز أن يكون «إذ» بمعنى «لمّا» ، فيكون المعنى : إذ تسوّروا المحراب لمّا دخلوا ، ولمّا تسوّروا إذ دخلوا. قوله تعالى : (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) وذلك أنهما أتيا على غير صفة مجيء الخصوم ، وفي غير وقت الحكومة ، ودخلا تسوّرا من غير إذن (٢). وقال أبو الأحوص : دخلا عليه وكلّ واحد منهما آخذ برأس صاحبه. و (خَصْمانِ) مرفوع بإضمار «نحن» ، قال ابن الأنباري : المعنى : نحن كخصمين ، ومثل خصمين ، فسقطت الكاف ، وقام الخصمان مقامهما ، كما تقول العرب : عبد الله القمر حسنا ، وهم يريدون : مثل القمر ، قالت هند بنت عتبة ترثي أباها وعمّها :
من حسّ لي الأخوين كالغصنين |
|
أو من راهما |
أسدين في غيل يحيد القوم |
|
عن عرواهما |
صقرين لا يتذلّلان |
|
ولا يباح حماهما |
رمحين خطّيّين في |
|
كبد السّماء تراهما |
أرادت : مثل أسدين ، ومثل صقرين ، فأسقطت مثلا وأقامت الذي بعده مقامه. ثم صرف الله عزوجل النون والألف في «بعضنا» إلى «نحن» المضمر ، كما تقول العرب : نحن قوم شرف أبونا ، ونحن قوم شرف أبوهم ، والمعنى واحد. والحقّ ها هنا : العدل. (وَلا تُشْطِطْ) أي : لا تجر ، يقال : شطّ وأشطّ : إذا جار. وقرأ ابن أبي عبلة : «ولا تشطط» بفتح التاء وضم الطاء قال الفرّاء : بعض العرب يقول : شططت عليّ في السّوم ، وأكثر الكلام «أشططت» بالألف ، وشطّت الدّار : تباعدت. قوله تعالى : (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) أي : إلى قصد الطّريق ؛ والمعنى : احملنا على الحقّ. فقال داود : تكلّما ، فقال أحدهما : (إِنَّ هذا أَخِي) قال ابن الأنباري : المعنى : قال أحد الخصمين اللّذين شبّه الملكان بهما : إنّ هذا أخي ، فأضمر القول لوضوح معناه (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) قال الزّجّاج : كني عن المرأة بالنّعجة.
__________________
(١) البيت لوضاح اليمن كما في «الأغاني» ٦ / ٢٣٧ و «اللسان» ـ حرب ـ وقد سبق البيت في «الجزء الأول».
(٢) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٣٨ : وقوله : (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) ، إنما كان ذلك لأنه كان في محرابه ، وهو أشرف مكان في داره ، وكان قد أمر ألا يدخل عليه أحد ذلك اليوم ، فلم يشعر إلا بشخصين قد تسوّرا عليه المحراب ، أي : احتاطا به يسألانه عن شأنهما. وقوله (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي : غلبني. يقال : عزّ يعزّ : إذا قهر وغلب. وقوله : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي اختبرناه.
وقوله (وَخَرَّ راكِعاً) أي : ساجدا (وَأَنابَ) يحتمل أنه ركع أولا ، ثم سجد بعد ذلك.