وأهلكوا. (فَحَقَّ عِقابِ) أثبت الياء فيها في الحالين يعقوب. (وَما يَنْظُرُ) أي : وما ينتظر (هؤُلاءِ) يعني كفّار مكّة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وفيها قولان : أحدهما : أنها النّفخة الأولى ، قاله مقاتل. والثاني : النّفخة الأخيرة ، قاله ابن السّائب.
وفي الفواق قراءتان. قرأ حمزة ، وخلف ، والكسائيّ : بضمّ الفاء. وقرأ الباقون : بفتحها. وهل بينهما فرق ، أم لا؟ فيه قولان : أحدهما : أنهما لغتان بمعنى واحد ، وهو معنى قول الفرّاء ، وابن قتيبة ، والزّجّاج. قال الفرّاء : والمعنى : ما لها من راحة ولا إفاقة ، وأصله من الإفاقة في الرّضاع إذا ارتضعت البهيمة أمّها ثم تركتها حتى تنزل شيئا من اللّبن ، فتلك الإفاقة.
(١٢١٤) وجاء عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «العيادة قدر فواق ناقة».
ومن يفتح الفاء ، فهي لغة جيدة عالية. وقال ابن قتيبة : الفواق والفواق واحد ، وهو أن تحلب النّاقة وتترك ساعة حتى تنزل شيئا من اللّبن ، ثم تحلب ، فما بين الحلبتين فواق. فاستعير الفواق في موضع المكث والانتظار. وقال الزّجّاج : الفواق : ما بين حلبتي النّاقة ، وهو مشتقّ من الرّجوع ، لأنه يعود اللبن إلى الضّرع بين الحلبتين ، يقال : أفاق من مرضه ، أي : رجع إلى الصّحّة. والثاني : أنّ من فتحها ، أراد : ما لها من راحة. ومن ضمّها ، أراد : فواق النّاقة ، قاله أبو عبيدة.
وللمفسّرين في معنى الكلام أربعة أقوال (١) : أحدها : ما لها من رجعة ، ثم فيه قولان : أحدهما : ما لها من ترداد ، قاله ابن عباس ، والمعنى أنّ تلك الصّيحة لا تكرّر. والثاني : ما لها من رجوع إلى الدنيا ، قاله الحسن ، وقتادة ، والمعنى أنهم لا يعودون بعدها إلى الدنيا. والثاني : ما لهم منها من إفاقة ، بل تهلكهم ، قاله ابن زيد. والثالث : ما لها من فتور ولا انقطاع ، قاله ابن جرير. والرابع : ما لها من راحة ، حكاه جماعة من المفسّرين.
(وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠))
قوله تعالى : (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) في سبب قولهم هذا قولان : أحدهما : أنه لمّا ذكر لهم ما في الجنّة ، قالوا هذا ، قاله سعيد بن جبير ، والسّدّيّ : والثاني : أنه لمّا نزل قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ
____________________________________
(١٢١٤) ذكره ابن الأثير في «النهاية» ٣ / ٤٧٩ ، ولم أره مسندا ، ولعله من كلام بعض السلف.
وانظر «تفسير القرطبي» ٥٢٣٦ بتخريجنا.
__________________
عليهم العذاب. وقال ابن كثير رحمهالله : فليحذر المخاطبون من ذلك أشد الحذر ، لأن الله تعالى جعل علة هلاكهم هو تكذيبهم بالرسل.
(١) قال ابن كثير في «تفسيره» ٤ / ٣٦ : ما ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بفتنة فقد جاء أشراطها ، أي قد اقتربت ودنت وأزفت ، وهذه الصيحة هي نفخة الفزع التي يأمر الله إسرافيل إن يطوّلها ، فلا يبقى أحد من أهل السموات والأرض إلا فزع ، إلا من استثنى الله ـ عزوجل ـ.