وقيل : تعظّم وتكبّر. (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي : نزل به البلاء والفقر (كانَ يَؤُساً) أي : قنوطا شديد اليأس ، لا يرجو فضل الله. قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) فيها ثلاثة أقوال : أحدها : على ناحيته ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير. قال الفرّاء : الشّاكلة : النّاحية ، والجديلة ، والطّريقة ، سمعت بعض العرب يقول : وعبد الملك إذ ذاك على جديلته ، وابن الزبير على جديلته ، يريد : على ناحيته. وقال أبو عبيدة : على ناحيته وخليقته. وقال ابن قتيبة : على خليقته وطبيعته ، وهو من الشّكل. يقال : لست على شكلي ، ولا شاكلتي. وقال الزّجّاج : على طريقته ، وعلى مذهبه. والثاني : على نيّته ؛ قاله الحسن ، ومعاوية بن قرّة. وقال الليث : الشّاكلة من الأمور : ما وافق فاعله. والثالث : على دينه ، قاله ابن زيد. وتحرير المعنى : أنّ كلّ واحد يعمل على طريقته التي تشاكل أخلاقه ، فالكافر يعمل ما يشبه طريقته من الإعراض عند النّعم واليأس عند الشدة ، والمؤمن يعمل ما يشبه طريقته من الشّكر عند الرّخاء والصّبر عند البلاء ، والله يجازي الفريقين. وذكر أبو صالح عن ابن عباس : أنّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١) ، وليس بشيء.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥))
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) في سبب نزولها قولان :
(٩١٦) أحدهما : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرّ بناس من اليهود ، فقالوا : سلوه عن الرّوح ، فقال بعضهم : لا تسألوه ، فيستقبلكم بما تكرهون. فأتاه نفر منهم ، فقالوا : يا أبا القاسم : ما تقول في الرّوح؟ فسكت ، ونزلت هذه الآية ، قاله ابن مسعود.
(٩١٧) والثاني : أنّ اليهود قالت لقريش : سلوا محمّدا عن ثلاث ، فإن أخبركم عن اثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبيّ ؛ سلوه عن فتية فقدوا ، وسلوه عن ذي القرنين ، وسلوه عن الرّوح. فسألوه عنها ، ففسّر لهم أمر الفتية في الكهف ، وفسّر لهم قصة ذي القرنين ، وأمسك عن قصة الرّوح ، فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء عن ابن عباس.
وفي المراد بالرّوح ها هنا ستة أقوال : أحدها : أنه الرّوح الذي يحيا به البدن ، روى هذا المعنى العوفيّ عن ابن عباس. وقد اختلف الناس في ماهية الرّوح ، ثم اختلفوا هل الرّوح النّفس ، أم هما شيئان فلا يحتاج إلى ذكر اختلافهم لأنه لا برهان على شيء من ذلك وإنما هو شيء أخذوه عن الطّبّ
____________________________________
(٩١٦) صحيح. أخرجه البخاري ١٢٥ و ٤٧٢١ و ٧٢٩٧ و ٧٤٥٦ و ٧٤٦٢ ومسلم ٤ / ٢١٥٢ والترمذي ٣١٤١ والنسائي في «التفسير» ٣١٩ وأبو يعلى ٢٥٠١ والطبري ٢٢٦٧٥ و ٢٢٦٧٦ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٢٤ من حديث ابن مسعود. وانظر «تفسير الشوكاني» ١٤٦٤ و «أحكام القرآن» ١٤٤٨ بتخريجنا.
(٩١٧) ضعيف. أخرجه البيهقي في «الدلائل» ٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧١ من طريق ابن إسحاق قال : حدثني رجل من أهل مكة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مطولا ، وفيه راو لم يسم. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٥٩٠ نقلا عن المفسرين بنحوه. وفي «الوسيط» ٣ / ١٢٥ عن ابن عباس بدون إسناد. وهو بهذا اللفظ ضعيف. أما السؤال عن الروح فقد صح من حديث ابن مسعود الحديث المتقدم.
__________________
(١) سورة التوبة : ٥.