الذي نقب عليهم السّكر ، حكاه الزّجّاج.
وفي صفة إرسال هذا السّيل عليهم قولان : أحدهما : أنّ الله تعالى بعث على سكرهم دابّة من الأرض فنقبت فيه نقبا ، فسال ذلك الماء إلى موضع غير الموضع الذي كانوا ينتفعون به ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. وقال قتادة والضّحّاك في آخرين : بعث الله عليهم جرذا يسمّى الخلد ـ والخلد : الفأر الأعمى ـ فنقبه من أسفله ، فأغرق الله به جنّاتهم ، وخرّب به أرضهم. والثاني : أنه أرسل عليهم ماء أحمر ، أرسله في السّدّ فنسفه وهدمه وحفر الوادي ، ولم يكن الماء أحمر من السّدّ ، وإنما كان سيلا أرسل عليهم ، قاله مجاهد.
قوله تعالى : (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ) يعني اللتين تطعمان الفواكه (جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «أكل» بالتنوين. وقرأ أبو عمرو : «أكل» بالإضافة. وخفّف الكاف ابن كثير ونافع ، وثقّلها الباقون. أمّا الأكل ، فهو الثّمر.
وفي المراد بالخمط ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الأراك ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والجمهور ؛ فعلى هذا ، أكله : ثمره ؛ ويسمّى ثمر الأراك : البرير. والثاني : أنه كلّ شجرة ذات شوك ، قاله أبو عبيدة. والثالث : أنه كلّ نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله ، قاله المبرّد والزّجّاج. فعلى هذا القول ، الخمط : اسم للمأكول ، فيحسن على هذا قراءة من نوّن الأكل ؛ وعلى ما قبله ، هو اسم شجرة ، والأكل ثمرها ، فيحسن قراءة من أضاف.
فأمّا الأثل ، ففيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الطّرفاء (١) ، قاله ابن عباس. والثاني : أنه السّمر ، حكاه ابن جرير. والثالث : أنه شجر يشبه الطّرفاء إلّا أنّه أعظم منه.
قوله تعالى : (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) ففيه تقديم ، تقديره : وشيء قليل من السّدر وهو شجر النبق. والمعنى : أنه كان الخمط والأثل في جنتيهم أكثر من السدر. قال قتادة : بينما شجرهم من خير الشجر ، إذ صيّره الله تعالى من شرّ الشجر.
قوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) أي : ذلك التّبديل جزيناهم (بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ). فإن قيل : قد يجازى المؤمن والكافر ، فما معنى هذا التّخصيص؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنّ المؤمن يجزى ولا يجازى ، فيقال في أفصح اللغة : جزى الله المؤمن ، ولا يقال : جازاه ، لأنّ جازاه بمعنى كافأه ، فالكافر يجازى بسيّئته مثلها ، مكافأة له ، والمؤمن يزاد في الثواب ويتفضّل عليه ، هذا قول الفرّاء. والثاني : أنّ الكافر ليست له حسنة تكفّر ذنوبه ، فهو يجازى بجميع الذّنوب ، والمؤمن قد أحبطت حسناته سيّئاته ، هذا قول الزّجّاج. وقال طاوس : الكافر يجازى ولا يغفر له ، والمؤمن لا يناقش الحساب.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) هذا معطوف على قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) ؛ والمعنى : كان من قصصهم أنّا جعلنا بينهم (وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) وهي : قرى الشام ؛ وقد سبق بيان معنى البركة
__________________
(١) السّكر بالسكون : ما سد به النهر.
(٢) في «اللسان» : الطرفاء : قال أبو حنيفة : الطرفاء من العضاه وهدبه مثل هدب الأثل ، وليس له خشب وإنما يخرج عصيا سمحة في السماء.