يقعده على العرش ، وكذلك روى الضّحّاك عن ابن عباس ، وليث عن مجاهد.
قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) وقرأ الحسن ، وعكرمة ، والضّحّاك ، وحميد بن قيس ، وقتادة ، وابن أبي عبلة بفتح الميم في «مدخل» و «مخرج». قال الزّجّاج : المدخل ، بضمّ الميم : مصدر أدخلته مدخلا ، ومن قال : مدخل صدق ، فهو على أدخلته ، فدخل مدخل صدق ، وكذلك شرح «مخرج» مثله. وللمفسّرين في المراد بهذا المدخل والمخرج أحد عشر قولا (١) : أحدها : أدخلني المدينة مدخل صدق ، وأخرجني من مكّة مخرج صدق.
(٩١٤) روى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكّة ، ثم أمر بالهجرة ، فنزلت عليه هذه الآية. وإلى هذا المعنى ذهب الحسن في رواية سعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن زيد. والثاني : أدخلني القبر مدخل صدق ، وأخرجني منه مخرج صدق ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثالث : أدخلني المدينة ، وأخرجني إلى مكّة ، يعني : لفتحها ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع : أدخلني مكّة مدخل صدق ، وأخرجني منها مخرج صدق ، فخرج منها آمنا من المشركين ، ودخلها ظاهرا عليها يوم الفتح ، قاله الضّحّاك. والخامس : أدخلني مدخل صدق الجنّة ، وأخرجني مخرج صدق من مكّة إلى المدينة ، رواه قتادة عن الحسن. والسادس : أدخلني في النبوّة والرّسالة ، وأخرجني منها مخرج صدق ، قاله مجاهد ، يعني : أخرجني ممّا يجب عليّ فيها. والسابع : أدخلني في الإسلام ، وأخرجني منه ، قاله أبو صالح ؛ يعني : من أداء ما وجب عليّ فيه إذا جاء الموت. والثامن : أدخلني في طاعتك ، وأخرجني منها ، أيّ : سالما غير مقصّر في أدائها ، قاله عطاء. والتاسع : أدخلني الغار ، وأخرجني منه ، قاله محمّد بن المنكدر. والعاشر : أدخلني في الدّين ، وأخرجني من الدنيا وأنا على الحقّ ، ذكره الزّجّاج. والحادي عشر : أدخلني مكّة ، وأخرجني إلى حنين ، ذكره أبو سليمان الدّمشقي. وأما إضافة الصّدق إلى المدخل والمخرج ، فهو مدح لهما. وقد شرحنا هذا المعنى في سورة يونس (٢).
قوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) أي : من عندك (سُلْطاناً) وفيه ثلاثة أقوال (٣) : أحدها : أنه التّسلّط على الكافرين بالسّيف ، وعلى المنافقين بإقامة الحدود ، قاله الحسن. والثاني : أنه الحجّة البيّنة ، قاله مجاهد. والثالث : الملك العزيز الذي يقهر به العصاة ، قاله قتادة. وقال ابن الأنباري : وقوله تعالى : (نَصِيراً) يجوز أن يكون بمعنى منصرا ، ويصلح أن يكون تأويله ناصرا.
____________________________________
(٩١٤) حسن. أخرجه الترمذي ٣١٣٩ وأحمد ١٩٤٨ والحاكم ٣ / ٣ والطبري ٢٢٦٤٤ من حديث ابن عباس وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي! وقال الترمذي : حسن صحيح! مع أن مداره على قابوس بن أبي ظبيان ، وهو لين الحديث ، لكن ورد معناه من مرسل الحسن ، أخرجه الطبري ٢٢٦٤٥ ومن مرسل قتادة ٢٢٦٤٧.
__________________
(١) قال الطبري ٨ / ١٣٧ : وأشبه هذه الأقوال بالصواب في تأويل ذلك ، قول من قال : معنى ذلك : وأدخلني المدينة مدخل صدق ، وأخرجني من مكة مخرج صدق. اه ووافقه ابن كثير في «تفسيره» ٣ / ٧٧.
(٢) سورة يونس : ٢.
(٣) قال الطبري رحمهالله ٨ / ١٣٨ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : ذلك أمر من الله تعالى نبيّه بالرغبة إليه في أن يؤتيه سلطانا نصيرا له على من بغاه وكاده ، وحاول منعه من إقامته فرائض الله في نفسه وعباده. ووافقه ابن كثير في «تفسيره» ٣ / ٧٧.