أنهم قالوا له : حدّثنا عن طلحة ، قال : ذاك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى : «فمنهم من قضى نحبه» لا حساب عليه فيما يستقبل. وقد جعل بعض المفسّرين هذا القدر من الآية في طلحة ، وأوّلها في أنس.
قال ابن جرير : ومعنى الآية : وفوا الله بما عاهدوه عليه. وفي ذلك أربعة أقوال. أحدها : أنهم عاهدوا ليلة العقبة على الإسلام والنّصرة. والثاني : أنهم قوم لم يشهدوا بدرا ، فعاهدوا الله عزوجل أن لا يتأخّروا بعدها. والثالث : أنهم عاهدوا أن لا يفرّوا إذا لاقوا ، فصدقوا. والرابع : أنهم عاهدوا على البأساء والضّرّاء وحين البأس.
قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : فمنهم من مات ، ومنهم من ينتظر الموت ، قاله ابن عباس. والثاني : فمنهم من قضى عهده قتل أو عاش ، ومنهم من ينتظر أن يقضيه بقتال أو صدق لقاء ، قاله مجاهد. والثالث : فمنهم من قضى نذره الذي كان نذر ، قاله أبو عبيدة. فيكون النّحب على القول الأول : الأجل ؛ وعلى الثاني : العهد ؛ وعلى الثالث : النّذر. وقال ابن قتيبة : «قضى نحبه» أي : قتل ، وأصل النّحب : النّذر ، كأنّ قوما نذروا أنهم إن لقوا العدوّ قاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله عليهم ، فقتلوا ، فقيل : فلان قضى نحبه ، أي : قتل ، فاستعير النّحب مكان الأجل ، لأنّ الأجل وقع بالنّحب ، وكان النّحب سببا له ، ومنه قيل : للعطيّة : «منّ» ، لأنّ من أعطى فقد منّ. قال ابن عباس : ممّن قضى نحبه : حمزة بن عبد المطّلب ، وأنس بن النّضر وأصحابه. وقال ابن إسحاق : «فمنهم من قضى نحبه» من استشهد يوم بدر وأحد ، «ومنهم من ينتظر» ما وعد الله من نصره ، أو الشهادة على ما مضى عليه أصحابه (وَما بَدَّلُوا) أي : ما غيّروا العهد الذي عاهدوا ربّهم عليه كما غيّر المنافقون.
قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) وهم المؤمنون الذين صدقوا فيما عاهدوا الله تعالى عليه (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) بنقض العهد (إِنْ شاءَ) وهو أن يميتهم على نفاقهم (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) في الدنيا ، فيخرجهم من النّفاق إلى الإيمان ، فيغفر لهم.
(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني الأحزاب ، صدّهم ومنعهم عن الظّفر بالمسلمين (بِغَيْظِهِمْ) أي : لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) أي : لم يظفروا بالمسلمين ، وكان ذلك عندهم خيرا ، فخوطبوا على استعمالهم (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بالرّيح والملائكة ، (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) أي : عاونوا الأحزاب ، وهم بنو قريظة ، وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم من العهد ، وصاروا مع المشركين يدا واحدة.
____________________________________
من طريق موسى وعيسى ابني طلحة عنه. قال الترمذي : حسن غريب ، وسمعت البخاري يحدث بهذا الحديث عن أبي كريب ، ووضعه في كتاب «الفوائد». ورجاله رجال مسلم ولكن طلحة بن يحيى ، وإن روى له مسلم ، ووثقه غير واحد فقد قال يحيى القطان : لم يكن بالقوي. وقال البخاري : منكر الحديث. وقال أبو زرعة : صالح الحديث. وله شاهد مرسل أخرجه ابن سعد ٣ / ١٦٤ من طريق حصين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وهذا مرسل صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم ، ليس له علة إلا الإرسال فهذا شاهد لما تقدم. الخلاصة : هو حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده ، ومع ذلك في المتن غرابة وانظر «أحكام القرآن» ١٧٦٦ بتخريجنا وانظر «الصحيحة» ١٢٦.