يَسِيراً (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢))
قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) في سبب نزولها قولان :
(١١٢٤) أحدهما : أنّ رجلا انصرف من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الأحزاب ، فوجد أخاه لأبيه وأمّه وعنده شواء ونبيذ ، فقال له : أنت ها هنا ورسول الله بين الرّماح والسيوف؟! فقال : هلمّ إليّ ، لقد أحيط بك وبصاحبك ؛ والذي يحلف به لا يستقبلها محمّد أبدا ؛ فقال له : كذبت ، والذي يحلف به ، أما والله لأخبرنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأمرك ، فذهب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليخبره ، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إلى قوله تعالى : (يَسِيراً) ، هذا قول ابن زيد.
(١١٢٥) والثاني : أنّ عبد الله بن أبيّ ومعتّب بن قشير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إلى المدينة ، كانوا إذا جاءهم منافق قالوا له : ويحك اجلس فلا تخرج ، ويكتبون بذلك إلى إخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فإنّا ننتظركم ـ يثبّطونهم عن القتال ـ وكانوا لا يأتون العسكر إلّا أن لا يجدوا بدّا ، فيأتون ليرى الناس وجوههم ، فإذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السّائب.
والمعوّق : المثبّط ؛ تقول : عاقني فلان ، واعتاقني ، وعوّقني : إذا منعك عن الوجه الذي تريده. وكان المنافقون يعوّقون عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نصّاره.
قوله تعالى : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) فيهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد. والثاني : أنهم اليهود دعوا إخوانهم من المنافقين إلى ترك القتال ، قاله مقاتل. والثالث : أنهم المنافقون دعوا المسلمين إليهم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حكاه الماوردي. قوله تعالى : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ) أي : لا يحضرون القتال في سبيل الله عزوجل (إِلَّا قَلِيلاً) للرّياء والسّمعة من غير احتساب ، ولو كان ذلك القليل لله عزوجل لكان كثيرا.
قوله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) قال الزّجّاج : هو منصوب على الحال. المعنى : لا يأتون الحرب إلّا تعذيرا ، بخلا عليكم. وللمفسّرين فيما شحّوا به أربعة أقوال : أحدها : أشحّة بالخير ، قاله مجاهد. والثاني : بالنّفقة في سبيل الله عزوجل. والثالث : بالغنيمة ، رويا عن قتادة. وقال الزّجّاج : بالظّفر والغنيمة. والرابع : بالقتال معكم ، حكاه الماوردي.
ثم أخبر عن جبنهم فقال : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ) أي : إذا حضر القتال (رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أي : كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت ، وهو الذي دنا موته
____________________________________
(١١٢٤) ضعيف. هذا مرسل ، عبد الرحمن بن زيد بن أسلم تابعي أخرجه ابن أبي حاتم كما في «الدر» ٥ / ٣٦٠.
وانظر «تفسير القرطبي» ١٤ / ١٣٦.
(١١٢٥) عزاه المصنف لابن السائب وهو الكلبي ، وتقدم مرارا أنه ممن يضع الحديث ، فخبره لا شيء.