والثاني : أنّ المراد بالصّلاة : القران ، قاله ابن عمر ، ويدلّ على هذا قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) (١) وقد شرحنا معنى الفحشاء والمنكر فيما سبق (٢).
وفي معنى هذه الآية للعلماء ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ الإنسان إذا أدّى الصلاة كما ينبغي وتدبّر ما يتلو فيها ، نهته عن الفحشاء والمنكر ، هذا مقتضاها وموجبها. والثاني : أنها تنهاه ما دام فيها. والثالث : أنّ المعنى : ينبغي أن تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر.
قوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) فيه أربعة أقوال :
(١٠٩٣) أحدها : ولذكر الله إيّاكم أكبر من ذكركم إيّاه ، رواه ابن عمر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبه قال ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد في آخرين.
والثاني : ولذكر الله تعالى أفضل من كلّ شيء سواه ، وهذا مذهب أبي الدّرداء ، وسلمان ، وقتادة. والثالث : ولذكر الله تعالى في الصّلاة أكبر ممّا نهاك عنه من الفحشاء والمنكر ، قاله عبد الله بن عون. والرابع : ولذكر الله تعالى العبد ـ ما كان في صلاته ـ أكبر من ذكر العبد لله تعالى ، قاله ابن قتيبة.
(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦))
قوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) في التي هي أحسن ثلاثة أقوال : أحدها : أنها لا إله إلّا الله ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. والثاني : أنها الكفّ عنهم إذا بذلوا الجزية ، فإن أبوا قوتلوا ، قاله مجاهد. والثالث : أنها القرآن والدّعاء إلى الله تعالى بالآيات والحجج. قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) وهم الذين نصبوا الحرب وأبوا أن يؤدّوا الجزية ، فجادلوا هؤلاء بالسّيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية (وَقُولُوا) لمن أدّى الجزية منهم إذا أخبركم بشيء ممّا في كتبهم (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) الآية.
(١٠٩٤) وقد روى أبو هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرءون التّوراة بالعبرانيّة ، ويفسّرونها بالعربية
____________________________________
(١٠٩٣) المرفوع ضعيف جدا ، والصحيح موقوف. أخرجه ابن الديلمي في «زهر الفردوس» ٤ / ١٦٥ من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن موسى بن عقبة به عن ابن عمر. وإسناده ضعيف جدا ، إسماعيل ضعفه غير واحد ، وعنه مجاهيل ، والصحيح موقوف على ابن عمر وابن عباس وغيرهما.
ـ وأثر ابن عباس ، أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٢٢٥٦ وابن أبي شيبة ٣٥٦٤٠ والطبري ٢٧٧٩١ و ٢٧٧٩٢ و ٢٧٧٩٣ و ٢٧٧٩٤ و ٢٧٧٩٧ و ٢٧٧٩٩ من طرق متعددة عنه موقوفا ، وهو الصحيح.
(١٠٩٤) صحيح. أخرجه البخاري ٤٤٨٥ و ٧٣٦٢ و ٧٥٤٢ والنسائي في «التفسير» ٤٠٧ والبغوي ١٢٥ من حديث أبي هريرة. ويشهد له حديث أبي نملة. أخرجه عبد الرزاق ٢٠٠٥٩ وأحمد ٤ / ١٣٦ وأبو داود ٣٦٤٤ وابن حبان ٦٢٥٧ والطبراني ٢٢ / ٨٧٤ و ٨٧٥ كلهم من حديث أبي نملة الأنصاري ، ورجاله رجال الشيخين ، سوى نملة بن أبي نملة ، وهو ثقة. فقد وثقه ابن حبان ، وروى عنه جمع منهم الزهري وعاصم ويعقوب ابنا عمر بن قتادة ، وضمرة بن سعيد ، ومروان بن أبي سعيد ، وعلى هذا تزول جهالته حيث روى عنه أكثر من واحد ، وقال عنه الحافظ في «التقريب» مقبول.
__________________
(١) الإسراء : ١١٠.
(٢) البقرة : ١٦٨ ـ النحل : ٩٠.