الْبُقْعَةِ) وهي القطعة من الأرض (الْمُبارَكَةِ) بتكليم الله موسى فيها (مِنَ الشَّجَرَةِ) أي : من ناحيتها. وفي تلك الشجرة قولان : أحدهما : أنها شجرة العنّاب ، قاله ابن عباس. والثاني : عوسجة ، قاله قتادة ، وابن السّائب ، ومقاتل. وما بعد هذا قد سبق بيانه (١) إلى قوله تعالى : (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) أي : من أن ينالك مكروه.
قوله تعالى : (اسْلُكْ يَدَكَ) أي : أدخلها ، (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) قد فسّرنا الجناح في طه (٢) إلّا أنّ بعض المفسّرين خالف بين تفسير اللفظين ، فشرحناه. وقال ابن زيد : جناحه : الذّراع والعضد والكفّ. وقال الزّجّاج : الجناح ها هنا : العضد ، ويقال لليد كلّها : جناح. وحكى ابن الأنباري عن الفرّاء أنه قال : الجناح : العصا. قال ابن الأنباري : الجناح للإنسان مشبّه بالجناح للطائر ، ففي حال تشبّه العرب رجلي الإنسان بجناحي الطائر ، فيقولون : قد مضى فلان طائرا في حاجته ، يعنون ساعيا على قدميه ، وفي حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطائر ، كقوله : «واضمم يدك إلى جناحك» ، وفي حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح ، لأنّ الإنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطائر عن نفسه بجناحه ، كقوله تعالى : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) ، وإنما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيها واستعارة ، كما يقال : قد قصّ جناح الإنسان ، وقد قطعت يده ورجله : إذا وقعت به جائحة أبطلت تصرّفه ؛ ويقول الرجل للرجل : أنت يدي ورجلي ، أي : أنت من به أصل إلى محابي ، قال جرير :
سأشكر أن رددت إليّ ريشي |
|
وأنبتّ القوادم في جناحي |
وقالت امرأة من العرب ترثي زوجها الأغرّ :
يا عصمتي في النّائبات ويا |
|
ركني الأغرّ ويا يدي اليمنى |
لا صنت وجها كنت صائنه |
|
أبدا ووجهك في الثّرى يبلى |
وأما الرّهب ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : «من الرّهب» بفتح الراء والهاء. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «من الرّهب» بضمّ الراء وسكون الهاء. وقرأ حفص وأبان عن عاصم : «من الرّهب» بفتح الراء وسكون الهاء. وهي قراءة ابن مسعود ، وابن السّميفع. وقرأ أبيّ بن كعب ، والحسن ، وقتادة : بضمّ الراء والهاء. قال الزّجّاج : الرّهب ، والرّهب بمعنى واحد ، مثل الرّشد ، والرّشد. وقال أبو عبيدة : الرّهب والرّهبة بمعنى الخوف والفرق. وقال ابن الأنباري : الرّهب ، والرّهب ، والرّهب ، مثل الشّغل ، والشّغل ، والشّغل ، والبخل ، والبخل ، والبخل ، وتلك لغات ترجع إلى معنى الخوف والفرق.
وللمفسّرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال : أحدها : أنّه لمّا هرب من الحيّة أمره الله تعالى أن يضمّ إليه جناحه ليذهب عنه الفزغ. قال ابن عباس : المعنى : اضمم يدك إلى صدرك من الخوف ولا خوف عليك. وقال مجاهد : كلّ من فزع فضمّ جناحه إليه ذهب عنه الفزع. والثاني : أنّه لمّا هاله بياض يده وشعاعها ، أمر أن يدخلها في جيبه ، فعادت إلى حالتها الأولى. والثالث : أنّ معنى الكلام : سكن روعك ، وثبت جأشك. قال أبو عليّ : ليس يراد به الضّمّ بين الشيئين ، إنما أمر بالعزم على ما أمر به
__________________
(١) النمل : ١٠.
(٢) طه : ٢٢.