والخامس : ليريها قدرة الله تعالى وعظم سلطانه ، حكاه الثّعلبي.
قوله تعالى : (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ) قال أبو عبيدة : العفريت من كلّ جنّ أو إنس : الفائق المبالغ الرّئيس. وقال ابن قتيبة : العفريت : الشرير الوثيق. وقال الزّجّاج : العفريت : النّافذ في الأمر ، المبالغ فيه مع خبث ودهاء. وقرأ أبيّ بن كعب ، والضّحّاك ، وأبو العالية ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : «قال عفريت» بفتح العين وكسر الراء ، وروى ابن أبي شريح عن الكسائيّ : «عفرية» بفتح الياء وتخفيفها ، وروي عنه أيضا تشديدها وتنوين الهاء على التأنيث. وقرأ ابن مسعود ، وابن السّميفع : «عفراة» بكسر العين وفتح الراء وبألف من غير ياء.
قوله تعالى : (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أي : من مجلسك ؛ ومثله : «في مقام أمين» (١). وكان سليمان يجلس للقضاء بين الناس من وقت الفجر إلى طلوع الشمس ، وقيل : إلى نصف النهار. (وَإِنِّي عَلَيْهِ) أي : على حمله (لَقَوِيٌ). وفي قوله تعالى : (أَمِينٌ) قولان : أحدهما : أمين على ما فيه من الجوهر والدّرّ وغير ذلك ، قاله ابن السّائب. والثاني : أمين أن لا آتيك بغيره بدلا منه ، قاله ابن زيد. قال سليمان : أريد أسرع من ذلك. (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) وهل هو إنسيّ أم ملك؟ فيه قولان : أحدهما : إنسيّ ، قاله ابن عباس ، والضّحّاك ، وأبو صالح ، ثم فيه أربعة أقوال : أحدها : أنّه رجل من بني إسرائيل ، واسمه آصف بن برخياء ، قاله مقاتل. قال ابن عباس : دعا آصف ـ وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف ـ فبعث الله الملائكة فحملوا السّرير تحت الأرض يخدّون الأرض خدّا ، حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان. والثاني : أنه سليمان عليهالسلام ، وإنما قال له رجل : أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك ، فقال : هات ، قال : أنت النبيّ ابن النبيّ ، فإن دعوت الله جاءك ، فدعا الله فجاءه ، قاله محمّد بن المنكدر. والثالث : أنّه الخضر ، قاله ابن لهيعة (٢). والرابع : أنه عابد خرج يومئذ من جزيرة في البحر فوجد سليمان فدعا فأتي بالعرش ، قاله ابن زيد. والقول الثاني : أنه من الملائكة ، ثم فيه قولان : أحدهما : أنه جبريل عليهالسلام. والثاني : ملك من الملائكة أيّد الله تعالى به سليمان ، حكاهما الثّعلبي. وفي العلم الذي عنده من الكتاب ثلاثة أقوال : أحدها : أنه اسم الله الأعظم ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور. والثاني : أنه علم كتاب سليمان إلى بلقيس. والثالث : علم ما كتب الله لبني آدم ، وهذا على أنه ملك ، حكى القولين الماوردي. وفي قوله تعالى : (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) أربعة أقوال : أحدها : قبل أن يأتيك أقصى ما تنظر إليه ، قاله سعيد بن جبير. والثاني : قبل أن ينتهي طرفك إذا مددته إلى مداه ، قاله وهب. والثالث : قبل أن يرتدّ طرفك حسيرا إذا أدمت النّظر ، قاله مجاهد. والرابع : بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرف ، قاله الزّجّاج : قال مجاهد : دعا فقال : يا ذا الجلال والإكرام ، وقال ابن السّائب : إنما قال : يا حيّ يا قيّوم.
قوله تعالى : (فَلَمَّا رَآهُ) في الكلام محذوف تقديره : فدعا الله فأتي به ، فلمّا رآه ، يعني : سليمان (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) أي : ثابتا بين يديه (قالَ هذا) يعني التّمكّن من حصول المراد.
قوله تعالى : (أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) فيه قولان : أحدهما : أأشكر على السّرير إذ أتيت به ، أم أكفر إذا
__________________
(١) الدخان : ٥١.
(٢) ابن لهيعة : ضعيف إذا وصل الحديث فكيف إذا أرسله ، وقد استغرب ابن كثير هذا القول جدا.