قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ) في هذا المثل قولان : أحدهما : أنه لعمل الكافر ، قاله الجمهور ، واختاره الزّجّاج. والثاني : أنه مثل لقلب الكافر في أنه لا يعقل ولا يبصر ، قاله الفرّاء. فأمّا اللّجّيّ ، فهو العظيم اللّجّة ، وهو العميق. (يَغْشاهُ) أي : يعلو ذلك البحر (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ) أي : من فوق الموج موج ، والمعنى : يتبع الموج موج ، حتى كأنّ بعضه فوق بعض ، (مِنْ فَوْقِهِ) أي : من فوق ذلك الموج (سَحابٌ). ثم ابتدأ فقال : (ظُلُماتٌ) يعني : ظلمة البحر ، وظلمة الموج الأوّل ، وظلمة الموج الذي فوق الموج ، وظلمة السّحاب. وقرأ ابن كثير ، وابن محيصن : «سحاب ظلمات» مضافا. (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) يعني : إذا أخرجها مخرج ، (لَمْ يَكَدْ يَراها) فيه قولان : أحدهما : أنه لم يرها ، قاله الحسن ، واختاره الزّجّاج. قال : لأنّ في دون هذه الظّلمات لا يرى الكفّ ؛ وكذلك قال ابن الأنباري : معناه : لم يرها البتّة ، لأنه قد قام الدّليل عند وصف تكاثف الظّلمات على أنّ الرّؤية معدومة ، فبان بهذا الكلام أن «يكد» زائدة للتّوكيد ، بمنزلة «ما» في قوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (١). والثاني : أنه لم يرها إلّا بعد الجهد ، قاله المبرد. قال الفرّاء : وهذا كما تقول : ما كدت أبلغ إليك ، وقد بلغت ، قال الفرّاء : وهذا وجه العربية.
فصل : وأما وجه المثل ، فقال المفسّرون : لمّا ضرب الله للمؤمن مثلا بالنّور ، ضرب للكافر هذا المثل بالظّلمات ؛ والمعنى : أنّ الكافر في حيرة لا يهتدي لرشد. وقيل : الظّلمات : ظلمة الشّرك وظلمة المعاصي. وقال بعضهم : ضرب الظّلمات مثلا لعمله ، والبحر اللّجّيّ لقلبه ، والموج لما يغشى قلبه من الشّرك والجهل والحيرة ، والسّحاب للرّين والختم على قلبه ، فكلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومصيره إلى الظّلمات يوم القيامة.
قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) فيه قولان : أحدهما : دينا وإيمانا ، قاله ابن عباس ، والسّدّيّ. والثاني : هداية ، قاله الزّجّاج.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢))
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قد تقدّم تفسيره (٢).
قوله تعالى : (وَالطَّيْرُ) أي : وتسبّح له الطّير (صَافَّاتٍ) أي : باسطات أجنحتها في الهواء. وإنّما خصّ الطّير بالذّكر ، لأنها تكون بين السماء والأرض إذا طارت ، فهي خارجة عن جملة من في السّموات والأرض. قوله تعالى : (كُلٌ) أي : من الجملة التي ذكرها (قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) قال المفسّرون : الصّلاة ، لبني آدم ، والتّسبيح ، لغيرهم من الخلق. وفي المشار إليه بقوله : «قد علم» قولان : أحدهما : أنه الله تعالى ، والمعنى : قد علم الله صلاة المصلّي وتسبيحه ، قاله الزّجّاج. والثاني : أنه المصلّي والمسبّح. ثم فيه قولان : أحدهما : قد علم المصلّي والمسبّح صلاة نفسه وتسبيحه ، أي : قد عرف ما كلّف من ذلك. والثاني : قد علم المصلّي صلاة الله وتسبيحه ، أي : علم
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٤٠.
(٢) سورة البقرة : ٣٠.