أبي عبلة ، وعيسى بن عمر : «الزانية» بالنّصب. واختاره الخليل وسيبويه والرّفع اختيار الأكثرين. قال الزّجّاج : والرّفع أقوى في العربية ، لأنّ معناه : من زنى فاجلدوه ، فتأويله الابتداء ، ويجوز النّصب على معنى : اجلدوا الزّانية. فأمّا الجلد ، فهو ضرب الجلد ، يقال : جلده : إذا ضرب جلده ، كما يقال : بطنه : إذا ضرب بطنه. قال المفسّرون : ومعنى الآية : الزّانية والزّاني إذا كانا حرّين بالغين بكرين ، (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ).
فصل : قال شيخنا عليّ بن عبيد الله : هذه الآية تقتضي وجوب الجلد على البكر والثّيّب (١). وقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حقّ البكر زيادة على الجلد بتغريب عام ، وفي حقّ الثّيّب زيادة على الجلد بالرّجم بالحجارة.
(١٠٢١) فروى عبادة بن الصّامت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثّيّب بالثّيب جلد مائة ورجم بالحجارة». وممّن قال بوجوب النّفي في حقّ البكر : أبو بكر ،
____________________________________
(١٠٢١) تقدم في سورة النساء : عند الآية ١٥ و ١٦ وقد خرجه مسلم وغيره.
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٢ / ٣٧٠ : الزنى حرام ، وهو من الكبائر العظام وقد كان حد الزاني في صدر الإسلام الحبس للثيب ، والأذى بالكلام من التقريع والتوبيخ للبكر. ثم نسخ بما روى عبادة بن الصامت عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد ذهب بعض أصحابنا بجواز نسخ القرآن بالسنة ومن منع ذلك قال : ليس هذا نسخا ، وإنما هو تفسير للقرآن وتبيين له. ويمكن أن يقال إن نسخه حصل بالقرآن ، فإن الجلد في كتاب الله تعالى ، والرجم كان فيه ، فنسخ رسمه ، وبقي حكمه. وإذا زنى الحر المحصن ، أو الحرة المحصنة ، جلدا ورجما حتى يموتا ، في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله رحمهالله ، والرواية الأخرى ، يرجمان ولا يجلدان.
وفي وجوب الرجم على الزاني المحصن ، رجلا كان أو امرأة قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج ، فإنهم قالوا : الجلد للبكر والثيب ، ولا يجوز ترك كتاب الله تعالى الثابت بطريق القطع واليقين بخبر الآحاد.
والرد عليهم ـ لقد ثبت الرجم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله وفعله ، في أخبار تشبه التواتر وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه قال : إن الله تعالى بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأتها وعقلتها ووعيتها ، ورجم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورجمنا بعده. فأخشى إن طال بالناس زمان ، أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ، فالرجم حق على من زنى إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة أو كان الحبل ، أو الاعتراف وقد قرأتها : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم» متفق عليه.
وأما الجلد فنقول بها ، إن الزاني يجب جلده ، فإن كان ثيبا رجم مع الجلد والآية لم تتعرض لنفيه. في إحدى الروايتين ، فعل ذلك علي رضي الله عنه ، وبه قال ابن عباس وأبي بن كعب وأبو ذر وفي الرواية الثانية ، يرجم ولا يجلد. روي عن عمر وعثمان وابن مسعود ، والنخعي ، والزهري والأوزاعي ومالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي.
وإذا زنى الحر البكر ، جلد مائة ، وغرّب عاما. ولا خلاف في وجوب الجلد على الزاني ويجب مع الجلد تغريبه عاما في قول جمهور العلماء. وقال مالك والأوزاعي : يغرّب الرجل دون المرأة ، لأنها إن غرّبت بمحرم ، أفضى إلى تغريب من ليس بزان ، ونفي من لا ذنب له ، وإن كلفت أجرته ففي ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد الشرع به ، ويلزم منه الزيادة على ذلك. وفوات حكمته. وفي تغريبها إغراء به ، وتمكين منه. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن : لا يجب التغريب وقول مالك فيما يقع لي ، أصح الأقوال وأعدلها.