فالجواب : أنّ
المعنى : منعوا من ذلك فلا يقدرون عليه كما يمنع الإنسان من الحرام وإن قدر عليه ،
فكان التّشبيه بالتّحريم للحالتين من حيث المنع.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ
وَمَأْجُوجُ) وقرأ ابن عامر : «فتّحت» بالتشديد ، والمعنى : فتح الرّدم
عنهم (وَهُمْ مِنْ كُلِّ
حَدَبٍ) قال ابن قتيبة : من كلّ نشز من الأرض وأكمة (يَنْسِلُونَ) من النّسلان : وهو مقاربة الخطو مع الإسراع كمشي الذّئب
إذا بادر ، والعسلان مثله. وقال الزّجّاج : الحدب : كلّ أكمة ، و «ينسلون» يسرعون.
وقرأ أبو رجاء العطارديّ ، وعاصم الجحدريّ : «ينسلون» بضمّ السين. وفي قوله تعالى
: (وَهُمْ) قولان : أحدهما
: أنه إشارة إلى
يأجوج ومأجوج ، قاله الجمهور. والثاني
: إلى جميع الناس ،
فالمعنى : وهم يحشرون إلى الموقف ، قاله مجاهد. والأوّل أصحّ.
فإن قيل : أين
جواب «حتى»؟ ففيه قولان : أحدهما
: أنه قوله تعالى :
(وَاقْتَرَبَ
الْوَعْدُ الْحَقُ) والواو في قوله تعالى : «واقترب» زائدة ، قاله الفرّاء.
قال : ومثله : (حَتَّى إِذا جاؤُها
وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) وقوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ) ، المعنى : ناديناه. وقال عبد الله بن مسعود : الساعة من
الناس بعد يأجوج ومأجوج ، كالحامل المتمّ ، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولدها ليلا
أو نهارا. والثاني
: أنه قول محذوف في
قوله : (يا وَيْلَنا) ، فالمعنى : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد ،
قالوا : يا ويلنا. قال الزّجّاج : هذا قول البصريّين. فأمّا (الْوَعْدُ الْحَقُ) فهو القيامة.
قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ) في «هي» أربعة أقوال : أحدها : أنّ «هي» كناية عن الأبصار ، والأبصار تفسير لها ، كقول
الشاعر :
لعمرو أبيها لا
تقول ظعينتي
|
|
ألا فرّ عنّي
مالك بن أبي كعب
|
فذكر الظّعينة ،
وقد كنّى عنها في «لعمرو أبيها». والثاني : أنّ «هي» ضمير فصل وعماد ، ويصلح في موضعها «هو» ، ومثله
قوله : (إِنَّهُ أَنَا اللهُ) وقوله : (فَإِنَّها لا تَعْمَى
الْأَبْصارُ) ، وأنشدوا :
بثوب ودينار
وشاة ودرهم
|
|
فهل هو مرفوع
بما ها هنا رأس
|
ذكرهما الفرّاء. والثالث : أن يكون تمام الكلام عند قوله : «هي» على معنى : فإذا هي
بارزة واقفة ، يعني : من قربها ، كأنها آتية حاضرة ، ثم ابتدأ فقال : (شاخِصَةٌ) ، ذكره الثّعلبيّ. والرابع : أنّ «هي» كناية عن القصة ، والمعنى : القصة أنّ أبصارهم
شاخصة في ذلك اليوم ، ذكره عليّ بن أحمد النّيسابوريّ.
قال المفسّرون :
تشخص أبصار الكفار من هول يوم القيامة ، ويقولون : (يا وَيْلَنا قَدْ
كُنَّا) أي : في الدنيا (فِي غَفْلَةٍ مِنْ
هذا) أي : عن هذا (بَلْ كُنَّا
ظالِمِينَ) أنفسنا بكفرنا ومعاصينا. ثم خاطب أهل مكّة ، فقال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللهِ) يعني : الأصنام (حَصَبُ جَهَنَّمَ) وقرأ عليّ بن أبي طالب ، وأبو العالية ، وعمر بن عبد
العزيز : «حطب» بالطاء. وقرأ ابن عباس ، وعائشة وابن
__________________