وفي زمان كونه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه من القرون الأوّل من ولد يافث بن نوح ، قاله عليّ رضي الله تعالى عنه. والثاني : أنه كان بعد ثمود ، قاله الحسن. ويقال : كان عمره ألفا وستمائة سنة. والثالث : أنه كان في الفترة بين عيسى ومحمّد صلى الله عليهما وسلّم ، قاله وهب.
قوله تعالى : (سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) أي : خبرا يتضمّن ذكره. (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) أي : سهّلنا عليه السّير فيها. قال عليّ رضي الله عنه : إنه أطاع الله ، فسخّر له السّحاب فحمله عليه ، ومدّ له في الأسباب ، وبسط له النّور ، فكان الليل والنهار عليه سواء ، وقال مجاهد : ملك الأرض أربعة : مؤمنان ، وكافران ؛ سليمان بن داود ، وذو القرنين ؛ والكافران : النّمرود ، وبخت نصّر. قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) قال ابن عباس : علما يتسبّب به إلى ما يريد. وقيل : هو العلم بالطّرق والمسالك. قوله تعالى : (فَأَتْبَعَ سَبَباً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : «فاتّبع سببا» «ثم اتّبع سببا» «ثم اتّبع سببا» مشدّدات التاء. وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «فأتبع سببا» «ثم أتبع سببا» «ثم أتبع سببا» مقطوعات. قال ابن الأنباري : من قرأ «فاتّبع سببا» فمعناه : قفا الأثر ، ومن قرأ «فأتبع» فمعناه : لحق ؛ يقال : اتّبعني فلان ، أي تبعني ، كما يقال : الحقني ، بمعنى : لحقني. وقال أبو عليّ : «أتبع» تقديره : أتبع سببا سببا ، فأتبع ما هو عليه سببا ، والسّبب : الطريق ، والمعنى : تبع طريقا يؤدّيه إلى مغرب الشمس. وكان إذا ظهر على قوم أخذ منهم جيشا فسار بهم إلى غيرهم.
قوله تعالى : (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : «حمئة» ، وهي قراءة ابن عباس. وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «حامية» ، وهي قراءة عمرو ، وعليّ ، وابن مسعود ، وابن الزّبير ، ومعاوية ، وأبي عبد الرّحمن ، والحسن ، وعكرمة ، والنّخعيّ ، وقتادة ، وأبي جعفر ، وشيبة ، وابن محيصن ، والأعمش ، كلّهم لم يهمز. قال الزّجّاج : فمن قرأ : «حمئة» أراد في عين ذات حمأة. يقال : حمأت البئر : إذا أخرجت حمأتها ؛ وأحمأتها : إذا ألقيت فيها الحمأة. وحمئت فهي حمئة : إذا صارت فيها الحمأة. ومن قرأ : «حامية» بغير همز ؛ أراد : حارّة. وقد تكون حارّة ذات حمأة. وروى قتادة عن الحسن ، قال : وجدها تغرب في ماء يغلي كغليان القدور (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) لباسهم جلود السّباع ، وليس لهم طعام إلّا ما أحرقت الشمس من الدّوابّ إذا غربت نحوها ، وما لفظت العين من الحيتان إذا وقعت فيها الشّمس. وقال ابن السّائب : وجد عندها قوما مؤمنين وكافرين ، يعني عند العين. وربما توهّم متوهّم أنّ هذه الشمس على عظم قدرها تغوص بذاتها في عين ماء ، وليس كذلك. فإنها أكبر من الدنيا مرارا ، فكيف يسعها عين ماء ، وقيل : إن الشمس بقدر الدنيا مائة وخمسين مرة ، وقيل : بقدر الدنيا مائة وعشرين مرة ، والقمر بقدر الدنيا ثمانين مرة وإنما وجدها تغرب في العين كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طرفه أنّ الشمس تغيب في الماء ، وذلك لأنّ ذا القرنين انتهى إلى آخر البنيان فوجد عينا حمئة ليس بعدها أحد.
قوله تعالى : (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) فمن قال : إنه نبيّ ، قال : هذا القول وحي ؛ ومن قال : ليس بنبيّ ، قال : هذا إلهام. قوله تعالى : (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) قال المفسّرون : إمّا أن تقتلهم إن أبوا ما تدعوهم إليهم ، وإمّا أن تأسرهم ، فتبصّرهم الرّشد. (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) أي : أشرك (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) بالقتل إذا لم يرجع عن الشّرك. وقال الحسن : كان يطبخهم في القدور ، (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) بعد العذاب (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) بالنار.