وقال ابن زيد : لا تعجل علينا. قوله : (وَاسْمَعُوا) أي : ما تؤمرون به.
(ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥))
قوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ). قال ابن عباس : هم يهود المدينة ، ونصارى نجران ، فالمشركون مشركو أهل مكّة. (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ) ، أي : على رسولكم. (مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، أراد : النبوّة والإسلام. وقال أبو سليمان الدّمشقيّ : أراد بالخير : العلم والفقه والحكمة. (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ). في هذه الرحمة قولان : أحدهما : أنها النبوّة ، قاله عليّ بن أبي طالب ، ومحمّد بن عليّ بن الحسين ، ومجاهد والزّجّاج. والثاني : أنها الإسلام ، قاله ابن عباس ومقاتل.
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧))
قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ). سبب نزولها : أن اليهود قالت لما نسخت القبلة : إن محمّدا يحلّ لأصحابه إذا شاء ، ويحرّم عليهم إذا شاء ؛ فنزلت هذه الآية. قال الزّجّاج : النّسخ في اللغة : إبطال شيء وإقامة آخر مقامه ، تقول العرب : نسخت الشمس الظلّ : إذا أذهبته وحلّت محلّه. وفي المراد بهذا النّسخ ثلاثة أقوال : أحدها : رفع اللفظ والحكم. والثاني : تبديل الآية بغيرها. رويا عن ابن عباس ، والأول قول السّدّيّ ، والثاني قول مقاتل. والثالث : رفع الحكم مع بقاء اللفظ ، رواه مجاهد عن أصحاب ابن مسعود ، وبه قال أبو العالية. وقرأ ابن عامر : «ما ننسخ» بضم النون ، وكسر السين. قال أبو عليّ : أي : ما نجده منسوخا كقولك : أحمدت فلانا ، أي : وجدته محمودا ، وإنما يجده منسوخا بنسخه إياه.
قوله تعالى : (أَوْ نُنْسِها) ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو : «ننسأها» بفتح النون مع الهمزة ، والمعنى : نؤخّرها. قال أبو زيد : نسأت الإبل عن الحوض ، فأنا أنسأها : إذا أخّرتها ، ومنه : النّسيئة في البيع. وفي معنى نؤخّرها ثلاثة أقوال : أحدها : نؤخّرها عن النّسخ فلا ننسخها ، قاله الفرّاء. والثاني : نؤخّر إنزالها ، فلا ننزلها البتّة. والثالث : نؤخّرها عن العمل بها بنسخنا إياها ، حكاهما أبو عليّ الفارسيّ. وقرأ سعد بن أبي وقاص «تنسها» بتاء مفتوحة ونون. وقرأ سعيد بن المسيّب والضّحّاك «تنسها» بضم التاء. وقرأ نافع : «أو ننسها» بنونين : الأولى مضمومة ، والثانية ساكنة. أراد : أو ننسكها ، من النسيان.
قوله تعالى : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) ، قال ابن عباس : بألين منها ، وأيسر على الناس.
قوله تعالى : (أَوْ مِثْلِها) ، أي : في الثواب والمنفعة ، فتكون الحكمة في تبديلها بمثلها الاختبار. (أَلَمْ تَعْلَمْ) لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه التّوقيف والتقرير. والملك في اللغة : تمام القدرة واستحكامها ، فالله عزوجل يحكم بما يشاء على عباده ويغيّر ما يشاء من أحكام.