قوله تعالى : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ). وفي المراد «بقوّة» أربعة أقوال : أحدها : الجدّ والاجتهاد ، قاله ابن عبّاس وقتادة والسّدّيّ. والثاني : الطاعة ، قاله أبو العالية. والثالث : العمل بما فيه ، قاله مجاهد. والرابع : الصّدق ، قاله ابن زيد. قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) ، قولان : أحدهما : اذكروا ما تضمّنه من الثواب والعقاب ، قاله ابن عباس. والثاني : معناه : ادرسوا ما فيه ، قاله الزّجّاج. قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، قال ابن عباس : تتّقون العقوبة.
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤))
قوله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) ، أي : أعرضتم عن العمل بما فيه من بعد إعطاء المواثيق ليأخذنّه بجدّ ، فلو لا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين بالعقوبة.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ). السّبت : اليوم المعروف ، قاله ابن الأنباريّ : ومعنى السبت في كلام العرب : القطع ، يقال : قد سبت رأسه : إذا حلقه وقطع الشعر منه ، ويقال : نعل سبتيّة : إذا كانت مدبوغة بالقرظ محلوقة الشعر ، فسمّي السبت سبتا ، لأن الله عزوجل ابتدأ الخلق فيه ، وقطع فيه بعض خلق الأرض ، أو : لأن الله تعالى أمر بني إسرائيل بقطع الأعمال وتركها. وقال بعضهم : سمّي سبتا ، لأن الله تعالى أمرهم بالاستراحة فيه من الأعمال ، وهذا خطأ ، لأنه لا يعرف في كلام العرب : سبت بمعنى : استراح.
وفي صفة اعتدائهم في السّبت قولان : أحدهما : أنهم أخذوا الحيتان يوم السّبت ، قاله الحسن ومقاتل. والثاني : أنهم حبسوها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد ، وذلك أن الرجل كان يحفر الحفرة ؛ ويجعل لها نهرا إلى البحر ، فإذا كان يوم السبت فتح النهر ، وقد حرّم الله عليه العمل يوم السبت ، فيقبل الموج بالحيتان حتى يلقيها في الحفيرة ، فيريد الحوت الخروج فلا يطيق ، فيأخذها يوم الأحد ، قاله السّدّيّ.
الإشارة إلى قصة مسخهم
روى عثمان بن عطاء عن أبيه قال : نودي الذين اعتدوا في السبت ثلاثة أصوات : نودوا : يا أهل القرية ، فانتبهت طائفة [ثم نودوا : يا أهل القرية فانتبهت طائفة] (١) أكثر من الأولى ، ثم نودوا : يا أهل القرية ، فانتبه الرجال والنساء والصبيان ، فقال الله لهم : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) ، فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون : يا فلان ألم ننهكم؟ فيقولون برءوسهم : بلى. قال قتادة : فصار القوم قردة تعاوى ، لها أذناب بعد ما كانوا رجالا ونساء. وفي رواية عن قتادة : صار الشّبان قردة ، والشيوخ خنازير ، وما نجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم. وقال غيره : كانوا نحوا من سبعين ألفا ، وعلى هذا القول العلماء ، غير ما روي عن مجاهد أنه قال : مسخت قلوبهم ولم تمسخ أبدانهم ، وهو قول بعيد ، قال ابن
__________________
(١) زيادة عن بعض النسخ.