الآية : إذا قدم الموصى إليهما بتركة المتوفّى ، فاتّهمهما الوارث ، استحلفا بعد صلاة العصر : أنهما لم يسرقا ، ولم يخونا. فالشّرط في قوله : «إن ارتبتم» متعلّق بتحبسونهما ، كأنه قال : إن ارتبتم حبستموهما فاستحلفتموهما ، فيحلفان بالله : (لا نَشْتَرِي بِهِ) أي : بأيماننا ، وقيل : بتحريف شهادتنا ، فالهاء عائدة على المعنى. (ثَمَناً) أي : عرضا من الدّنيا (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) أي : ولو كان المشهود له ذا قرابة منّا ، وخصّ ذا القرابة ، لميل القريب إلى قريبه. والمعنى : لا نحابي في شهادتنا أحدا ، ولا نميل مع ذي القربى في قول الزّور (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ) إنما أضيفت إليه ، لأمره بإقامتها ، ونهيه عن كتمانها ، وقرأ سعيد بن جبير : «ولا نكتم شهادة» بالتنوين «الله» بقطع الهمزة وقصرها ، وكسر الهاء ، ساكنة النون في الوصل. وقرأ سعيد بن المسيّب ، وعكرمة «شهادة» بالتنوين والوصل منصوبة الهاء. وقرأ أبو عمران الجونيّ «شهادة» بالتنوين وإسكانها في الوصل «الله» بقطع الهمزة وقصرها مفتوحة الهاء ، وقرأ الشّعبيّ وابن السّميفع «شهادة» بالتنوين وإسكانها في الوصل «الله» بقطع الهمزة ، ومدّها ، وكسر الهاء. وقرأ أبو العالية ، وعمرو بن دينار مثله ، إلّا أنهما نصبا الهاء.
واختلف العلماء لأي معنى وجبت اليمين على هذين الشّاهدين ، على ثلاثة أقوال : أحدها : لكونهما من غير أهل الإسلام ، روي هذا المعنى عن أبي موسى الأشعريّ. والثاني : لوصيّة وقعت بخطّ الميّت وفقد ورثته بعض ما فيها ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : لأنّ الورثة كانوا يقولون : كان مال ميّتنا أكثر ، فاستخانوا الشّاهدين ، قاله الحسن ، ومجاهد.
(فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧))
قوله تعالى : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً). قال المفسّرون :
(٤٨٤) لمّا نزلت الآية الأولى ، دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عديّا وتميما ، فاستحلفهما عند المنبر : أنهما لم يخونا شيئا ممّا دفع إليهما فحلفا ، وخلّى سبيلهما ، ثم ظهر الإناء الذي كتماه ، فرفعهما أولياء الميّت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً).
ومعنى «عثر» : اطّلع أي : إن عثر أهل الميّت ، أو من يلي أمره ، على أنّ الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا (اسْتَحَقَّا إِثْماً) لميلهما عن الاستقامة في شهادتهما (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) أي : مقام هذين الخائنين (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائيّ : «استحق» بضم التاء ، (الْأَوْلَيانِ) على التّثنية. وفي قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) قولان : أحدهما : أنهما الذّمّيان. والثاني : الوليّان.
فعلى الأوّل في معنى (اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) أربعة أقوال : أحدها : استحقّ عليهم الإيصاء ، قال ابن الأنباريّ : المعنى : من القوم الذين استحقّ فيهم الإيصاء ، استحقّه الأوليان بالميّت ، وكذلك قال
____________________________________
(٤٨٤) عزاه المصنف للمفسرين ، وأصله محفوظ بما تقدم سوى لفظ «عند المنبر» فهذا لم يرد في شيء من الروايات الصحيحة الموصولة بل ولا المرسلة ، فهو واه.