هذه الآية ، ويقولون : لم يحرّمها ، إنما قال : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، فقال بعضنا : انتهينا ، وقال بعضنا : لم ننته ، فلمّا نزلت (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) حرّمت ، لأنّ «الإثم» اسم للخمر. وهذا القول ليس بشيء ، والأوّل أصحّ.
قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما أمراكم ، واحذروا خلافهما (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي : أعرضتم ، فاعلموا أنما على رسولنا محمد البلاغ المبين ؛ وهذا وعيد لهم ، كأنه قال فاعلموا أنّكم قد استحققتم العقاب لتولّيكم.
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣))
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) سبب نزولها :
(٤٧٢) أنّ ناسا من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ماتوا وهم يشربون الخمر ، إذ كانت مباحة ، فلمّا حرّمت قال ناس : كيف بأصحابنا وقد ماتوا وهم يشربونها؟! فنزلت هذه الآية ، قاله البراء بن عازب.
و «الجناح» : الإثم. وفيما طعموا ثلاثة أقوال : أحدها : ما شربوا من الخمر قبل تحريمها ، قاله ابن عباس ، قال ابن قتيبة : يقال : لم أطعم خبزا وأدما ولا ماء ولا نوما. قال الشاعر :
فإن شئت حرّمت النّساء سواكم |
|
وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا (١) |
النّقاخ : الماء البارد الذي ينقخ الفؤاد ببرده ، والبرد : النّوم.
والثاني : ما شربوا من الخمر وأكلوا من الميسر. والثالث : ما طعموا من المباحات.
وفي قوله تعالى : (إِذا مَا اتَّقَوْا) ثلاثة أقوال : أحدها : اتّقوا بعد التّحريم ، قاله ابن عباس. والثاني : اتّقوا المعاصي والشّرك. والثالث : اتّقوا مخالفة الله في أمره. وفي قوله تعالى : (وَآمَنُوا) قولان : أحدهما : آمنوا بالله ورسوله. والثاني : آمنوا بتحريمها.
قوله تعالى : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال مقاتل : أقاموا على الفرائض.
__________________
(٤٧٢) صحيح. أخرجه الترمذي ٣٠٥٠ و ٣٠٥١ والطيالسي ٧١٥ وأبو يعلى ١٧١٩ و ١٧٢٠ وابن حبان ٥٣٥٠ والطبري ١٢٥٣٣ من حديث البراء ، وإسناده صحيح على شرطهما ، لكن فيه عنعنة أبي إسحاق ، وهو مدلس ، وجاء في رواية أبي يعلى : قال شعبة : قلت لأبي إسحاق : أسمعته من البراء ، قال : لا اه.
ومع ذلك يعتضد بحديث أنس : قال : كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر فأمر مناديا فنادى فقال أبو طلحة : اخرج فانظر ما هذا الصوت قال : فخرجت ، قال : فجرت في سكك المدينة قال : وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ ، فقال بعض القوم : قتل قوم وهي في بطونهم قال : فأنزل الله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا). أخرجه البخاري ٤٦٢٠ ومسلم ١٩٨٠ والحميدي ١٢١٠ وأحمد ٣ / ١٨٣ والنسائي ٨ / ٢٨٧ وابن حبان ٥٣٥٢ و ٥٣٦٣ و ٥٣٦٤ والبيهقي ٨ / ٢٨٦ والبغوي ٢٠٤٣ من طرق عن أنس ، رووه بألفاظ متقاربة ، واللفظ للبخاري.
__________________
(١) البيت للعرجي وهو في ديوانه : ١٠٩ و «اللسان» مادة : نقخ.