معنى الكلام قولين : أحدهما : ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم عليه قلوبكم في التّعمد لليمين ، قاله مجاهد. والثاني : بما عقّدتم عليه قلوبكم أنه كذب ، قاله سعيد بن جبير.
قوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ) (١) قال ابن جرير : الهاء عائدة على «ما» في قوله : «بما عقّدتم».
فصل : فأمّا إطعام المساكين (٢) ، فروي عن ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، والحسن في آخرين : أنّ لكلّ مساكين مدّ برّ ، وبه قال مالك ، والشّافعيّ. وروي عن عمر ، وعليّ ، وعائشة في آخرين : لكلّ مساكين نصف صاع من برّ ، قال عمر ، وعائشة : أو صاعا من تمر ، وبه قال أبو حنيفة. ومذهب أصحابنا في جميع الكفّارات التي فيها إطعام ، مثل كفّارة اليمين ، والظّهار ، وفدية الأذى ، والمفرّطة في قضاء رمضان ، مدّ برّ ، أو نصف صاع تمر أو شعير. ومن شرط صحّة الكفّارة ، تمليك الطّعام للفقراء ، فإن غدّاهم وعشّاهم ، لم يجزئه ، وبه قال سعيد بن جبير ، والحكم ، والشّافعيّ. وقال الثّوريّ ، والأوزاعيّ : يجزئه ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك (٣). ولا يجوز صرف مدّين إلى مساكين واحد (٤) ، ولا إخراج القيامة في الكفّارة ، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة : يجوز. قال الزجّاج : وإنما وقع لفظ التّذكير في المساكين ، ولو كانوا إناثا لأجزأ ، لأنّ المغلّب في كلام العرب التّذكير. وفي قوله تعالى : (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) قولان :
أحدهما : من أوسطه في القدر ، قاله عمر ، وعليّ ، وابن عباس ، ومجاهد.
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٣ / ٤٨١ ـ ٤٨٢ : كفارة سائر الأيمان تجوز قبل الحنث وبعده ، صوما كانت أو غيره ، في قول أكثر أهل العلم ، وبه قال مالك ، وممن روي عنه جواز تقديم التكفير عمر وابنه وابن عباس وسلمان الفارسي ومسلمة بن مخلد ، وبه قال الحسن وابن سيرين وربيعة والأوزاعي والثوري وابن المبارك وإسحاق وأبو عبيد وأبو خيثمة وسليمان بن داود ، وقال أصحاب الرأي : لا تجزئ الكفارة قبل الحنث ، لأنه تكفير قبل وجود سببه ، وقال الشافعي كقولنا ، في الإعتاق والإطعام والكسوة. وكقولهم في الصيام من أجل أنه عبادة بدنية.
قلت : ويخطئ أكثر العامة حيث يظنون أن المتعين هو صيام ثلاثة أيام. ولا يعرفون غير ذلك؟!!
(٢) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٣ / ٥١١ : لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام ، ولا الكسوة ، في قول إمامنا ومالك والشافعي وابن المنذر ، وهو الظاهر من قول عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي. وأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي اه ملخصا. وانظر القرطبي ٦ / ٢٨٠.
(٣) قال الإمام القرطبي في «تفسيره» ٦ / ٢٧٧ : قال مالك : إن غدّى عشرة مساكين وعشاهم أجزأه. وقال الشافعي : لا يجوز أن يطعمهم جملة واحدة ، لأنهم يختلفون في الأكل ، ولكن يعطي كل مساكين مدا. وروي عن علي : لا يجزئ إطعام العشرة وجبة واحدة. يعني غداء دون عشاء ، أو عشاء دون غداء حتى يغدّيهم ويعشيهم. قال أبو عمر : وهو قول أئمة أهل الفتوى بالأمصار. وانظر ما ذكره ٦ / ٢٧٦.
(٤) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٣ / ٥١٣ : المكفّر لا يخلو من أن يجد المساكين بكمال عددهم ، أو لا يجدهم ، فإن وجدهم لم يجزئه إطعام أقل من عشرة في كفارة اليمين ، ولا أقل من ستين في كفارة الظهار ، وكفارة الجماع في رمضان وبهذا قال الشافعي وأبو ثور. وأجاز الأوزاعي دفعها إلى واحد. وقال أبو عبيد : إن خص بها أهل بيت شديدي الحاجة جاز. وقال أصحاب الرأي : يجوز أن يرددها على مساكين واحد في عشرة أيام إن كانت كفارة يمين ، أو في ستين إن كان الواجب إطعام ستين مسكينا. ولا يجوز دفعها إليه في يوم واحد. وحكاه أبو الخطاب عن أحمد اه ملخصا. وانظر القرطبي ٦ / ٢٧٨.