وقالوا : يا محمّد
هؤلاء إخواننا ، أبونا واحد ، وديننا واحد ، إذا قتلوا منا قتيلا أعطونا سبعين
وسقا من تمر ، وإن قتلنا منهم واحدا أخذوا منّا أربعين ومائة وسق ، وإن قتلنا منهم
رجلا قتلوا به رجلين ، وإن قتلنا امرأة قتلوا بها رجلا ، فاقض بيننا بالعدل ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس لبني النّضير على بني قريظة فضل في عقل ولا دم»
فقال بنو النّضير : والله لا نرضى بقضائك ، ولا نطيع أمرك ، ولنأخذنّ بأمرنا
الأوّل ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قال الزجّاج :
ومعنى الآية : أتطلب اليهود حكما لم يأمر الله به ، وهم أهل كتاب الله ، كما تفعل
الجاهليّة؟!
قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً) قال ابن عباس : ومن أعدل؟!
وفي قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) قولان : أحدهما
: يوقنون بالقرآن ،
قاله ابن عباس. والثاني
: يوقنون بالله ، قاله مقاتل. وقال الزجّاج : من أيقن تبيّن
عدل الله في حكمه.
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ
لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(٤٣٥) أحدها : أنها نزلت في أبي لبابة حين قال لبني قريظة إذ رضوا بحكم
سعد : إنه الذّبح ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهو قول عكرمة.
(٤٣٦) والثاني : أن عبادة بن الصّامت قال : يا رسول الله إنّ لي موالي من
اليهود ، وإني أبرأ إلى الله من ولاية يهود ، فقال عبد الله بن أبيّ : إنّي رجل
أخاف الدّوائر ، ولا أبرأ إلى الله من ولاية يهود ، فنزلت هذه الآية ، قاله عطيّة
العوفيّ.
____________________________________
وورد من وجه آخر
بنحوه. أخرجه النسائي ٨ / ١٨ ـ ١٩ والدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس قال : «كان
قريظة والنضير ، وكان النضير أشرف من قريظة ، وكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من
النضير قتل به ، وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة أدّى مائة وسق من تمر ،
فلما بعث صلىاللهعليهوسلم قتل رجل من النضير رجلا من قريظة ، فقالوا : ادفعوه إلينا
نقتله ، فقالوا : بيننا وبينكم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأتوه فنزلت (وَإِنْ حَكَمْتَ
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) والقسط : النفس بالنفس ، ثم نزلت (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ). وهو حديث حسن. رجاله ثقات ، لكن رواية سماك عن عكرمة
مضطربة وليس فيه اللفظ المرفوع.
وكرره النسائي ومن
وجه آخر عن داود بن حصين ، عن عكرمة عن ابن عباس ، وداود ضعّف في روايته عن عكرمة
، وورد من وجه آخر ، أخرجه أحمد ٢٢١٢ والطبراني ١٠٧٣٢ وإسناده لين لأجل عبد الرحمن
بن أبي الزناد ، لكن هذه الروايات تتأيد بمجموعها والله أعلم.
(٤٣٥) أخرجه
الطبري ١٢١٦٦ عن عكرمة مرسلا ، والمرسل من قسم الضعيف.
ـ وعزاه المصنف
لأبي صالح عن ابن عباس ، وهي رواية ساقطة كما تقدّم مرارا.
(٤٣٦) أخرجه
الطبري ١٢١٦٢ عن عطية العوفي مرسلا ، ومع إرساله ، عطية واه. وورد من مرسل الزهري
، أخرجه الطبري ١٢١٦٣ ، ومراسيل الزهري واهية. وله شاهد موصول ، أخرجه الطبري
١٢١٦٤ عن عبادة بن الوليد ، وهذا مرسل حسن ، فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها ،
والله أعلم. وانظر «أحكام القرآن» ٧٢٩ بتخريجنا.