(٣٨١) أحدهما : أن فقيرا وغنيّا اختصما إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فكان صغوه (١) مع الفقير يرى أنّ الفقير لا يظلم الغنيّ ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السّدّيّ. والثاني : أنها متعلّقة بقصّة ابن أبيرق ، فهي خطاب للذين جادلوا عنه ، ذكره أبو سليمان الدّمشقيّ (٢).
و «القوّام» : مبالغة من قائم. و «القسط» : العدل. قال ابن عباس : كونوا قوّالين بالعدل في الشهادة على من كانت ، ولو على أنفسكم. وقال الزجّاج : معنى الكلام : قوموا بالعدل ، واشهدوا لله بالحقّ ، وإن كان الحقّ على الشّاهد ، أو على والديه ، أو قريبه (٣) ، (إِنْ يَكُنْ) المشهود له (غَنِيًّا) فالله أولى به ، وإن يكن فقيرا فالله أولى به. فأما الشهادة على النفس ، فهي إقرار الإنسان بما عليه من حقّ. وقد أمرت الآية بأن لا ينظر إلى فقر المشهود عليه ، ولا إلى غناه ، فإنّ الله تعالى أولى بالنّظر إليهما. قال عطاء : لا تحيفوا على الفقير ، ولا تعظّموا الغنيّ ، فتمسكوا عن القول فيه. وممّن قال : إن الآية نزلت في الشّهادات ، ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، والزّهريّ ، وقتادة ، والضّحّاك. قوله تعالى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) فيه أربعة أقوال : أحدها : أن معناه : فلا تتّبعوا الهوى ، واتّقوا الله أن تعدلوا عن الحقّ ، قاله مقاتل. والثاني : ولا تتّبعوا الهوى لتعدلوا ، قاله الزجّاج. والثالث : فلا تتّبعوا الهوى كراهية أن تعدلوا عن الحقّ. والرابع : فلا تتّبعوا الهوى فتعدلوا ، ذكرهما الماورديّ. قوله
____________________________________
(٣٨١) ضعيف ، أخرجه الطبري ١٠٦٨٣ عن السدي مرسلا. وذكره الواحدي بدون إسناد في «أسباب النزول» ٣٧١ ، وأخرجه ابن أبي حاتم عن السدي كما في «أسباب النزول» للسيوطي.
ـ وفي الطبري والواحدي وكان ـ ضلعه ـ بدلا من وكان ـ صغوه ـ.
__________________
(١) في «اللسان» : صغا : مال ويقال صغوه معك : أي ميله معك.
(٢) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٣٢٠ : وهذه الآية عندي تأديب من الله جل ثناؤه عباده المؤمنين أن يفعلوا ما فعله الذين عذروا بني أبيرق في سرقتهم ما سرقوا ، وخيانتهم ما خانوا ممن ذكر قيل ، عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشهادتهم لهم عنده بالصلاح.
(٣) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٤ / ١٣٧ : من لزمته الشهادة ، فعليه أن يقوم بها على القريب والبعيد ، لا يسعه التخلف عن إقامتها وهو قادر على ذلك. وجملته أن أداء الشهادة من فروض الكفايات ، فإن تعينت عليه ، بأن لا يتحملها من يكفي فيها سواه ، لزمه القيام بها. وإن قام بها اثنان غيره ، سقط عنه أداؤها إذا قبل الحاكم. فإن كان تحمّلها جماعة ، فأداؤها واجب على الكل ، إذا امتنعوا أثموا كلهم ، كسائر فروض الكفاية. ولا تجوز شهادة الوالدين وإن علوا ، للولد وإن سفل ، ولا شهادة الولد وإن سفل لهما وإن علوا ، وبه قال شريح ، والحسن ، ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي.
وروي عن أحمد رواية ثانية ، تقبل شهادة الابن لأبيه ، ولا تقبل شهادة الأب له ، لأن مال الابن في حكم مال الأب ، له أن يتملكه إذا شاء لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أنت ومالك لأبيك». وأما شهادة أحدهما على صاحبه ، فتقبل. نصّ عليه أحمد. وهذا قول عامة أهل العلم ، ولم أجد في «الجامع» فيه خلافا ، وذلك لقوله تعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ). فأمر بالشهادة عليهم ، ولو لم تقبل لما أمر بها ، ولأنها ردّت للتهمة في إيصال النفع ، ولا تهمة في شهادته عليه ، فوجب أن تقبل ، كشهادة الأجنبي ، بل أولى.
وقال بعض الشافعية : لا تقبل شهادة الابن على أبيه في قصاص ، ولا حدّ قذف ، لأنه لا يقتل بقتله ، ولا يحدّ بقذفه ، فلا يلزمه ذلك. والمذهب الأوّل ، لأنه يتهم له ولا يتهم عليه ، فشهادته عليه أبلغ في الصّدق ، كإقراره على نفسه.