(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢))
قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) سبب نزولها :
(٣٥٦) أنّ المشركين لمّا رأوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه قد صلّوا الظّهر ، ندموا إذ لم يكبّوا عليهم ، فقال بعضهم لبعض : دعوهم فإنّ لهم صلاة هي أحبّ إليهم من آبائهم وأبنائهم ، يعنون العصر ، فإذا قاموا فشدّوا عليهم ، فلمّا قاموا إلى صلاة العصر ، نزل جبريل بهذه الآية. رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) خطاب للنبيّ عليهالسلام ، ولا يدلّ على أن الحكم مقصور عليه ، فهول كقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (١) وقال أبو يوسف : لا تجوز صلاة الخوف بعد النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والهاء والميم من «فيهم» تعود على الضّاربين في الأرض (٢).
____________________________________
(٣٥٦) ذكره البغوي برواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وهذا الإسناد مع كونه معلقا ، الكلبي متروك متهم ، وأبو صالح ليس بثقة عن ابن عباس ، وانظر الحديث المتقدم برقم ٣٥٢.
__________________
عمرة ولا تجارة فإنه لا يقصر الصلاة والأول أولى. والمشهور عن أحمد ، أن المسافر إن شاء صلى ركعتين ، وإن شاء أتم. وروي عنه أنه توقف ، وقال : أنا أحب العافية في هذه المسألة. وممن روي عنهم الإتمام في السفر : عثمان ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وعائشة رضي الله عنهم وبه قال الشافعي والمشهور عن مالك. وقال حمّاد : ليس له الإتمام في السفر وهو قول الثوري ، وأبو حنيفة وروي عن ابن عباس أنه قال : من صلى في السفر أربعا فهو كمن صلى في الحضر ركعتين ولنا ، قول الله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهذا يدل على أن القصر رخصة مخيّر بين فعله وتركه ، كسائر الرّخص وقال يعلى بن أمية : قلت لعمر بن الخطاب : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ..) الآية ، فقال : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته» رواه مسلم. وهذا يدل على أنها رخصة وليست بعزيمة ، وأنها مقصورة.
(١) سورة التوبة : ١٠٣.
(٢) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ٣ / ٢٩٦ : صلاة الخوف ثابتة بالكتاب والسنة ، أما الكتاب فقول الله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) الآية وأما السنة فثبت أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يصلي صلاة الخوف ، وجمهور العلماء متفقون على أن حكمها باق بعد النبي صلىاللهعليهوسلم. وقال أبو يوسف : إنما كانت تختص بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، لقوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ). وليس بصحيح ، فإن ما ثبت في حق النبي صلىاللهعليهوسلم ثبت في حقنا ، ما لم يقم دليل على اختصاصه به ، فإن الله تعالى أمر باتباعه بقوله : (فَاتَّبِعُوهُ*). وسئل عن القبلة للصائم ، فأجاب :
«بأنني أفعل ذلك» فقال السائل : لست مثلنا ، فغضب وقال : «إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله تعالى ، وأعلمكم بما أتقي». وكان أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يحتجّون بأفعال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويرونها معارضة لقوله وناسخة له ، ولو لم