كذلك كنتم تخفون إيمانكم بمكّة كما كان هذا يخفي إيمانه ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثالث : كذلك كنتم من قبل مشركين ، قاله مسروق وقتادة وابن زيد.
قوله تعالى : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) في الذي منّ به أربعة أقوال : أحدها : الهجرة ، قاله ابن عباس. والثاني : إعلان الإيمان ، قاله سعيد بن جبير. والثالث : الإسلام ، قاله قتادة ، ومسروق. والرابع : التّوبة على الذي قتل ذلك الرجل ، قاله السّدّيّ.
قوله تعالى : (فَتَبَيَّنُوا) تأكيد للأول.
(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥))
قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ) قال أبو سليمان الدّمشقيّ : نزلت هذه الآية من أجل قوم كانوا إذا حضرت غزاة يستأذنون في القعود.
(٣٤٠) وقال زيد بن ثابت : إني لقاعد إلى جنب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إذ غشيته السّكينة ، ثم سرّي عنه ، فقال : «اكتب» (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون ...) الآية ، فقام ابن أمّ مكتوم ، فقال : يا رسول الله ، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد؟ فو الله ما قضى كلامه حتى غشيت رسول الله السّكينة ، ثم سرّي عنه ، فقال : اقرأ ، فقرأت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون) ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) فألحقتها.
قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ) يعني عن الجهاد ، والمعنى : أنّ المجاهدين أفضل. قال ابن عباس : وأريد بهذا الجهاد غزوة بدر. وقال مقاتل : غزاة تبوك.
قوله تعالى : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة : «غير» برفع الرّاء ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، والكسائيّ ، وخلف ، والمفضّل : بنصبها. قال أبو عليّ : من رفع الراء ، جعل «غير» صفة للقاعدين ، ومن نصبها ، جعلها استثناء من القاعدين (١). وفي «الضّرر» قولان:
____________________________________
(٣٤٠) صحيح. أخرجه البخاري ٢٨٣٢ و ٤٥٩٢ والترمذي ٣٠٣٣ والنسائي ٦ / ٩ و ١٠ وأحمد ٥ / ١٨٤ وابن حبان ٤٧١٣ والطبري ١٠٢٤٤ وابن الجارود ١٠٣٤ والطبراني ٤٨١٤ و ٤٨١٥ و ٤٨٩٩ وأبو نعيم في «الدلائل» ١٧٥ كلهم عن سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد ، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه ، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره ...
ـ وورد بنحوه من حديث الفلتان بن عاصم أخرجه ابن حبان ٤٧١٢ والطبراني ١٨ / ٨٥٦ والبزار ٢٢٠٣ وأبو يعلى ١٥٨٣. وقال الهيثمي في «المجمع» ٩٤٤٤ : رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
ويشهد له أيضا حديث البراء بن عازب أخرجه البخاري ٤٥٩٣ و ٤٥٩٤ ومسلم ١٨٩٨ والترمذي ١٦٧٠ والنسائي ٦ / ١٠ والطبري ١٠٢٣٨ ـ ١٠٢٤٢ والبيهقي ٩ / ٢٣. وحديث زيد بن أرقم أخرجه الطبري ١٠٢٤٣ والطبراني ٥٠٥٣ وفي الباب أحاديث ، فهو حديث مشهور.
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٣ / ٦ ـ ١٠ : والجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به قوم سقط عن