(٣٠٤) والثاني : أن عمّار بن ياسر كان مع خالد بن الوليد في سريّة ، فهرب القوم ، ودخل رجل منهم على عمّار ، فقال : إني قد أسلمت ، هل ينفعني ، أو أذهب كما ذهب قومي؟ قال عمّار : أقم فأنت آمن ، فرجع الرجل ، وأقام فجاء خالد ، فأخذ الرجل ، فقال عمّار : إنّي قد أمّنته ، وإنه قد أسلم ، قال : أتجير عليّ وأنا الأمير؟ فتنازعا ، وقدما على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس.
قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) طاعة الرسول في حياته : امتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وبعد مماته : اتّباع سنّته. وفي أولي الأمر أربعة أقوال : أحدها : أنهم الأمراء ، قاله أبو هريرة ، وابن عباس في رواية ، وزيد بن أسلم والسّدّيّ ومقاتل. والثاني : أنهم العلماء ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وهو قول جابر بن عبد الله والحسن وأبي العالية وعطاء والنّخعيّ والضّحّاك ، ورواه خصيف عن مجاهد. والثالث : أنهم أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال بكر بن عبد الله المزنيّ. والرابع : أنهم أبو بكر وعمر ، وهذا قول عكرمة (١).
قوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) قال الزجّاج : معناه : اختلفتم. وقال كل فريق : القول قولي. واشتقاق المنازعة : أنّ كلّ واحد ينتزع الحجّة.
قوله تعالى : (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) في كيفيّة هذا الرّدّ قولان : أحدهما : أنّ ردّه إلى الله ردّه إلى كتابه ، وردّه إلى النبيّ ردّه إلى سنّته ، هذا قول مجاهد ، وقتادة ، والجمهور. قال القاضي أبو يعلى : وهذا الرّدّ يكون من وجهين : أحدهما : إلى المنصوص عليه باسمه ومعناه. والثاني : الرّدّ إليهما من جهة الدّلالة عليه ، واعتباره من طريق القياس ، والنّظائر. والقول الثاني : أنّ ردّه إلى الله ورسوله أن يقول من لا يعلم الشيء : الله ورسوله أعلم ، ذكره قوم ، منهم الزجّاج.
____________________________________
أبا سعيد الخدري قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم علقمة بن محرز على بعث أنا فيهم ، حتى انتهينا إلى رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق ، أذن لطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي وكان من أصحاب بدر وكانت فيه دعابة ـ يعني مزاحا ـ وكنت ممن رجع معه ، فنزلنا ببعض الطريق قال : وأوقد القوم نارا ليصنعوا عليها صنيعا لهم أو يصطلون ، قال : فقال لهم : أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا : بلى ، قال : فما أنا بآمركم بشيء إن صنعتموه؟ قالوا بلى ، قال : أعزم عليكم بحقي وطاعتي لما تواثبتم في هذه النار ، فقام ناس فتحجزوا حتى إذا ظن أنهم واثبون ، قال : احبسوا أنفسكم ، فإنما كنت أضحك معكم ، فذكروا ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم بعد أن قدموا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أمركم بمعصية فلا تطيعوه» لفظ أحمد. وانظر «تفسير القرطبي» ٢٢٩٢ و «الشوكاني» ٦٧٣ بتخريجنا.
(٣٠٤) ضعيف. أخرجه ابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» ١ / ٥٣٠ من طريق الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس. والحكم بن ظهير متروك الحديث وأبو صالح غير ثقة في ابن عباس. واسم أبي صالح باذام. وأخرجه الطبري ٩٨٦٦ عن السدي وهذا معضل ، ومع ذلك فالسدي متكلم فيه إذا وصل الحديث فكيف إذا رواه معضلا. وخبر خالد وعمار في الصحيح بغير هذا السياق ، وليس فيه ذكر نزول الآية.
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله ٤ / ١٥٣ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال هم الأمراء والولاة ، لصحة الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة.