(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤))
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) ، اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها نزلت في رفاعة بن زيد بن التّابوت.
(٢٩٥) والثاني : أنها نزلت في رجلين كانا إذا تكلّم النبيّ صلىاللهعليهوسلم لويا ألسنتهما وعاباه ، روي القولان عن ابن عباس. والثالث : أنها نزلت في اليهود ، قاله قتادة.
وفي النّصيب الذي أوتوه قولان : أحدهما : أنه علم نبوّة محمّد النبيّ صلىاللهعليهوسلم. والثاني : العلم بما في كتابهم دون العمل.
قوله تعالى : (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) قال ابن قتيبة : هذا من الاختصار ، والمعنى : يشترون الضّلالة بالهدى ، ومثله (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ*) (١) أي : تركنا عليه ثناء حسنا ، فحذف الثّناء لعلم المخاطب. وفي معنى اشترائهم الضّلالة أربعة أقوال : أحدها : أنه استبدالهم الضّلالة بالإيمان ، قاله أبو صالح ، عن ابن عباس. والثاني : أنه استبدالهم التكذيب بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم بعد ظهوره بإيمانهم به قبل ظهوره ، قاله مقاتل. والثالث : أنه إيثارهم التكذيب بالنبيّ لأخذ الرّشوة ، وثبوت الرّئاسة لهم ، قاله الزجّاج. والرابع : أنه إعطاؤهم أحبارهم أموالهم على ما يصنعونه من التكذيب بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ذكره الماورديّ.
قوله تعالى : (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا) خطاب للمؤمنين. والمراد بالسّبيل : طريق الهدى.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥))
قوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) فهو يعلمكم ما هم عليه ، فلا تستنصحوهم ، وهم اليهود ، (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) لكم ، فمن كان وليّه ، لم يضرّه عدوّه. قال الخطّابيّ : «الوليّ» : النّاصر ، و «الوليّ» : المتولّي للأمر ، والقائم به ، وأصله من الولي ، وهو القرب ، و «النّصير» : فعيل بمعنى فاعل.
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦))
قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) قال مقاتل : نزلت في رفاعة بن زيد ، ومالك ابن الضّيف ، وكعب بن أسيد ، وكلّهم يهود. وفي «من» قولان ، ذكرهما الزجّاج :
أحدهما : أنها من صلة الذين أوتوا الكتاب ، فيكون المعنى : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا. والثاني : أنها مستأنفة ، فالمعنى : من الذين هادوا قوم يحرّفون ، فيكون قوله :
____________________________________
(٢٩٥) ضعيف. أخرجه الطبري ٩٦٩٤ عن ابن عباس بإسناد ضعيف ، فيه محمد بن أبي محمد شيخ ابن إسحاق ، وهو مجهول.
__________________
(١) سورة الصافات : ٧٨.