(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١))
قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) أي : كيف تستجيزون أخذه. وفي «الإفضاء» قولان :
أحدهما : أنه الجماع ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسّدّيّ ، ومقاتل ، وابن قتيبة. والثاني : الخلوة بها ، وإن لم يغشها ، قاله الفرّاء.
وفي المراد بالميثاق هاهنا ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الذي أخذه الله للنساء على الرجال ؛ الإمساك بمعروف ، أو التّسريح بإحسان. هذا قول ابن عباس ، والحسن ، وابن سيرين ، وقتادة ، والضّحّاك ، والسّدّيّ ، ومقاتل. والثاني : أنه عقد النّكاح ، قاله مجاهد ، وابن زيد. والثالث : أنه أمانة الله ، قاله الرّبيع.
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢))
قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) ، قال ابن عباس : كان أهل الجاهليّة يحرّمون ما حرّم الله إلا امرأة الأب ، والجمع بين الأختين ، فنزلت هذه الآية.
(٢٦٦) وقال بعض الأنصار : توفي أبو قيس بن الأسلت ، فخطب ابنه قيس امرأته ، فأتت النبيّ صلىاللهعليهوسلم تستأذنه ، وقالت : إنما كنت أعدّه ولدا ، فنزلت هذه الآية.
قال أبو عمر غلام ثعلب : الذي حصّلناه عن ثعلب ، عن الكوفيين ، والمبرّد عن البصريّين ، أنّ «النّكاح» في أصل اللغة : اسم للجمع بين الشيئين. وقد سمّوا الوطء نفسه نكاحا من غير عقد. قال الأعشى :
ومنكوحة غير ممهورة (١)
يعني المسبيّة الموطوءة بغير مهر ولا عقد. قال القاضي أبو يعلى : قد يطلق النّكاح على العقد ، قال الله تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) (٢) وهو حقيقة في الوطء ، مجازا في العقد ، لأنه اسم للجمع ، والجمع : إنما يكون بالوطء ، فسمّي العقد نكاحا ، لأنه سبّب إليه.
قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) فيه ستة أقوال : أحدها : أنها بمعنى : بعد ما قد سلف ، فإنّ الله يغفره ، قاله الضّحّاك ، والمفضّل. وقال الأخفش : المعنى : لا تنكحوا ما نكح آباؤكم ، فإنكم تعذّبون به ، إلا ما قد سلف ، فقد وضعه الله عنكم. والثاني : أنها بمعنى : سوى ما قد سلف ، قاله الفرّاء.
____________________________________
(٢٦٦) أخرجه البيهقي ٧ / ١٦١ من طريق أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت الأنصاري ، وقال البيهقي : هذا مرسل. والمرسل من قسم الضعيف ، ومع ذلك ، أشعث بن سوار ضعيف كما في «التقريب». و «المجروحين ١ / ١٧١» ، وانظر ما تقدم آنفا.
__________________
(١) هو صدر بيت وعجزه : وأخرى يقال له : فادها.
(٢) الأحزاب : ٤٩.