قال عكرمة ، واسم هذه المرأة : كبيشة بنت معن بن عاصم (١) ، وكان هذا في العرب. وقال أبو مجلز : كانت الأنصار تفعله. وقال ابن زيد : كان هذا في أهل المدينة. وقال السّدّيّ : إنما كان ذلك للأولياء ما لم تسبق المرأة ، فتذهب إلى أهلها ، فإن ذهبت ، فهي أحقّ بنفسها.
وفي معنى قوله تعالى : (أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) قولان : أحدهما : أن ترثوا نكاح النساء ، وهذا قول الجمهور. والثاني : أن ترثوا أموالهنّ كرها. روى ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : كان يلقي حميم (٢) الميت على الجارية ثوبا ، فإن كانت جميلة تزوّجها ، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ، فيرثها.
واختلف القرّاء في فتح كاف «الكره» وضمّها في أربعة مواضع : هاهنا ، وفي التّوبة ، وفي الأحقاف في موضعين ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو بفتح الكاف فيهنّ ، وضمّهنّ حمزة. وقرأ عاصم ، وابن عامر بالفتح في النّساء والتّوبة ، وبالضّمّ في الأحقاف. وهما لغتان ، قد ذكرناهما في البقرة. وفيمن خوطب بقوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه خطاب للأزواج ، ثم في العضل الذي نهى عنه ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ الرجل كان يكره صحبة امرأته ، ولها عليه مهر ، فيحبسها ، ويضربها لتفتدي ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضّحّاك ، والسّدّيّ. والثاني : أنّ الرجل كان ينكح المرأة الشريفة ، فلعلّها لا توافقه ، فيفارقها على أن لا تتزوّج إلا بإذنه ، ويشهد على ذلك ، فإذا خطبت ، فأرضته ، أذن لها ، وإلا عضلها ، قاله ابن زيد. والثالث : أنهم كانوا بعد الطّلاق يعضلون ، كما كانت الجاهليّة تفعل ، فنهوا عن ذلك ، روي عن ابن زيد أيضا. وقد ذكرنا في البقرة أنّ الرجل كان يطلّق المرأة ، ثم يراجعها ، ثمّ يطلقها كذلك أبدا إلى غير غاية ، يقصد إضرارها ، حتى نزلت (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) (٣).
والقول الثاني : أنه خطاب للأولياء ، ثمّ في ما نهوا عنه ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ الرجل كان في الجاهليّة إذا كانت له قرابة قريبة ، ألقى عليها ثوبه ، فلم تتزوّج أبدا غيره إلا بإذنه ، قاله ابن عباس. والثاني : أنّ اليتيمة كانت تكون عند الرجل ، فيحبسها حتى تموت ، أو تتزوّج بابنه ، قاله مجاهد. والثالث : أنّ الأولياء كانوا يمنعون النساء من التّزويج ، ليرثوهنّ ، روي عن مجاهد أيضا.
والقول الثالث : أنه خطاب لورثة أزواج النّساء الذين قيل لهم : لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كرها. كان الرجل يرث امرأة قريبه ، فيعضلها حتى تموت ، أو تردّ عليه صداقها. هذا قول ابن عباس في آخرين (٤) وعلى هذا يكون الكلام متّصلا بالأوّل ، وعلى الأقوال التي قبله يكون ذكر العضل منفصلا عن
__________________
(١) ورد عن عكرمة في أثناء خبر ، أخرجه الطبري ٨٨٧٤ وانظر ما قبله.
(٢) في «اللسان» الحميم : القرابة ، وهو القريب الذي تودّه ويودّك.
(٣) البقرة : ٢٢٩.
(٤) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٦٥١ بعد أن ذكر أقوال السلف : وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بالصحة في تأويل قوله تعالى (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) قول من قال : نهى الله عزوجل زوج المرأة عن التضييق عليها والإضرار بها ، وهو لصحبتها كاره ولفراقها محب ، لتفتدي منه ببعض ما آتاها من الصداق. وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة ، لأنه لا سبيل لأحد إلى عضل امرأة إلا لأحد الرجلين : إما لزوجها