والمعروف في
الإمساك : القيام بما يجب لها من حقّ ، والمعروف في التّسريح : أن لا يقصد إضرارها
، بأن يطيل عدّتها بالمراجعة ، وهو معنى قوله : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ
ضِراراً لِتَعْتَدُوا) ، قاله الحسن ومجاهد ، وقتادة في آخرين. وقال الضحّاك :
إنما كانوا يضارّون المرأة لتفتدي (وَمَنْ يَفْعَلْ
ذلِكَ) الاعتداء ، (فَقَدْ ظَلَمَ
نَفْسَهُ) بارتكاب الإثم. قوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا
آياتِ اللهِ هُزُواً) فيه قولان : أحدهما : أنه الرجل يطلّق أو يراجع ، أو يعتق
، ويقول : كنت لاعبا. روي عن عمر ، وأبي الدّرداء ، والحسن. والثاني : أنه المضارّ بزوجته في تطويل عدّتها بالمراجعة قبل الطلاق
، قاله مسروق ، ومقاتل. (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللهِ عَلَيْكُمْ) ، قال ابن عباس : احفظوا منّته عليكم بالإسلام. قال :
والكتاب : القرآن. والحكمة : الفقه. (وَاتَّقُوا اللهَ) ، في الضّرار (وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ) به وبغيره (عَلِيمٌ).
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ
كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ
وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢))
قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ) في سبب نزولها قولان :
(١١٩) أحدهما : ما روى الحسن أن معقل بن يسار زوّج أخته من رجل من
المسلمين ، فكانت عنده ما كانت ، فطلّقها تطليقة ثم تركها ومضت العدّة ، وكانت
أحقّ بنفسها ، فخطبها مع الخطّاب ، فرضيت أن ترجع إليه ، فخطبها إلى معقل ، فغضب
معقل ، وقال : أكرمتك بها ، فطلّقتها؟! لا والله! لا ترجع إليك آخر ما عليك. قال
الحسن : فعلم الله ، عزوجل ، حاجة الرجل إلى امرأته ، وحاجة المرأة إلى بعلها ، فنزلت
هذه الآية ، فسمعها معقل ، فقال : سمعا لربّي ، وطاعة ، فدعا زوجها ، فقال : أزوّجك
، وأكرمك. ذكر عبد الغنيّ الحافظ عن الكلبيّ أنه سمّى هذه المرأة ، فقال : جميلة
بنت يسار.
(١٢٠) والثاني : أن جابر بن عبد الله الأنصاريّ كانت له ابنة عمّ ، فطلّقها
زوجها تطليقة ، فانقضت عدّتها ، ثم رجع يريد رجعتها ، فأبى جابر ، وقال : طلقت
ابنة عمّنا ، ثم تريد أن تنكحها الثانية؟! وكانت المرأة تريد زوجها ، قد راضته ،
فنزلت هذه الآية ، قاله السّدّيّ.
فأمّا بلوغ الأجل
في هذه الآية ، فهو انقضاء العدّة ، بخلاف التي قبلها. قال الشّافعيّ رضي الله عنه
: دلّ اختلاف الكلامين على افتراق البلوغين. قوله تعالى : (فَلا تَعْضُلُوهُنَ) ، خطاب للأولياء ، قال ابن عباس ، وابن جبير ، وابن قتيبة
في آخرين : معناه لا تحبسوهنّ ، والعرب تقول للشدائد : معضلات. وداء عضال : قد
أعيا. قال أوس بن حجر :
وليس أخوك
الدّائم العهد بالذي
|
|
يذمّك إن ولّى
ويرضيك مقبلا
|
ولكنّه النّائي
إذا كنت آمنا
|
|
وصاحبك الأدنى
إذا الأمر أعضلا
|
____________________________________
(١١٩) صحيح. أخرجه
البخاري ٤٥٢٩ و ٥١٣٠ و ٥١٣١ وأبو داود ٢٠٨٧ والترمذي ٢٩٨١ واستدركه الحاكم ٢ / ٢٨٠
والواحدي ١٥٣ من حديث الحسن عن معقل بن يسار.
(١٢٠) ضعيف. أخرجه
الطبري ٤٩٤٢ والواحدي في «أسباب النزول» ١٥٦ وذكر هذا القول ابن كثير في تفسيره
وقال : الصحيح الأول أي حديث معقل.