(١١٠) والثاني : أن أبا هريرة روى عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «ملعون من أتى النّساء في أدبارهنّ» ، فدلّ على أن الآية لا يراد بها هذا. والثالث : أن الآية نبّهت على أنه محلّ الولد بقوله : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) ، وموضع الزّرع : هو مكان الولد. قال ابن الأنباريّ : لما نصّ الله على ذكر الحرث ، والحرث به يكون النّبات ، والولد مشبّه بالنّبات ، لم يجز أن يقع الوطء في محلّ لا يكون منه ولد. والرابع : أن تحريم إتيان الحائض كان لعلّة الأذى ، والأذى ملازم لهذا المحل لا يفارقه.
قوله تعالى : (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) فيه أربعة أقوال : أحدها : أن معناه : وقدّموا لأنفسكم من العمل الصالح ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : وقدّموا التسمية عند الجماع ، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث : وقدّموا لأنفسكم في طلب الولد ، قاله مقاتل. والرابع : وقدّموا طاعة الله واتّباع أمره ، قاله الزجّاج.
____________________________________
(١١٠) حسن. أخرجه أبو داود ٢١٦٢ وأحمد ٢ / ٤٤٤ والنسائي في «الكبرى» ٩٠١٤ وفيه الحارث بن مخلد وهو مجهول كما في «التقريب» لكن للحديث شواهد يحسن بها.
ـ وفي الباب «إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن». أخرجه الشافعي ٢ / ٢٩ والنسائي في «الكبرى» ٨٩٨٢ و ٨٩٨٤ و ٨٩٨٥ و ٨٩٨٩ والدارمي ١ / ٢٦١ و ٢ / ١٤٥ وأحمد ٥ / ٢١٣ ـ ٢١٥ وصححه ابن حبان ٤١٩٨ و ٤٢٠٠ والطحاوي ٣ / ٤٣ وابن ماجة ١٩٢٤ وابن الجارود ٧٢٨ والطبراني ٣٧٤١ و ٣٧٤٢ و ٣٧٤٣ والبيهقي ٧ / ١٩٧ والخطابي في «غريب الحديث» ١ / ٣٧٦ والبغوي في «التفسير» ١ / ١٩٩ من طرق كلهم من حديث خزيمة بن ثابت ، وهو حديث قوي الإسناد لمجيئه من عدة طرق وله شواهد. وفي الباب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في دبرها». إسناده حسن ، رجاله رجال الصحيح ، لكن في أبي خالد الأحمر ـ وهو سليمان بن حيان ـ كلام ينزله عن رتبة الصحيح. وأخرجه النسائي في «الكبرى» كما في التحفة ٥ / ٢١٠ والترمذي ١١٦٥ وقال الترمذي حسن غريب. وأخرجه ابن أبي شيبة ٤ / ٢٥١ ـ ٢٥٢ وأبو يعلى ٢٣٧٨ وابن حبان ٤٢٠٤ و ٤٤١٨. وفي الباب أحاديث كثيرة تبلغ حد الشهرة.
__________________
هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت : لا قال : إنا كنا معشر قريش نجبي النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود.
إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ). وهذا إسناد صحيح وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني عن كعب بن علقمة فذكره. وقد روينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحا وأنه لا يباح ولا يحل وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك رحمهالله وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه فعل جابر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا يحل أن تأتوا النساء في حشوشهن» وفي رواية أحمد (أعجازهن) والنسائي وابن ماجة من طرق عن خزيمة بن ثابت. فائدة : قال الطحاوي في «مجمع الآثار» ٣ / ٤٦ فلما تواترت هذه الآثار عن النبي صلىاللهعليهوسلم بالنهي عن وطأ المرأة في الدبر ثم جاء عن أصحابه وتابعيهم ما يوافق ذلك وجب القول به ، وترك ما يخالفه اه. وفائدة أخرى : الآن ظهر الأمر جليا وذلك بمرض الإيدز ـ أي فقد المناعة ـ فقد أجمع الأطباء على أن الإتيان في الدبر سواء للرجل أو المرأة هو أكثر العوامل التي تسبب مرض الإيدز وهذا مما يؤيد ما نصّ عليه شرعنا الحنيف ، فهو حرام قطعا ويقينا لا مجال للخوض فيه ولا للمناقشة وقد تقدم عن النبي صلىاللهعليهوسلم أحاديث بألفاظ مختلفة والمعنى واحد وهي تبلغ حد الشهرة ، ومشى إلى ذلك الصحابة والتابعون والفقهاء وأهل العلم سوى من شذ والله أعلم. وانظر مزيد الكلام عليه في «تفسير ابن كثير» ١ / ٢٦٨ ـ ٢٧٢ عند هذه الآية بتعليقي. وانظر «تفسير الشوكاني» ١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ بتعليقي ، والله الموفق للصواب.