إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

زاد المسير في علم التفسير [ ج ١ ]

زاد المسير في علم التفسير [ ج ١ ]

192/606
*

فنزلت هذه الآية. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والحرث : المزدرع ، وكنّى به هاهنا عن الجماع ، فسمّاهنّ حرثا ، لأنهن مزدرع الأولاد ، كالأرض للزرع ، فإن قيل : النساء جمع ، فلم لم يقل : حروث؟ فعنه ثلاثة أجوبة ، ذكرها ابن القاسم الأنباريّ النّحويّ : أحدها : أن يكون الحرث مصدرا في موضع الجمع ، فلزمه التوحيد ، كما تقول العرب : إخوتك صوم ، وأولادك فطر ، يريدون : صائمين ومفطرين ، فيؤدي المصدر بتوحيده عن اللفظ المجموع. والثاني : أن يكون أراد : حروث لكم ، فاكتفى بالواحد من الجمع ، كما قال الشاعر :

كلوا في نصف بطنكم تعيشوا

أي : في أنصاف بطونكم. والثالث : أنه إنما وحّد الحرث ، لأن النساء شبّهن به ، ولسن من جنسه ، والمعنى : نساؤكم مثل حروث لكم.

قوله تعالى : (أَنَّى شِئْتُمْ) ، فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه بمعنى : كيف شئتم ، ثم فيه قولان : أحدهما : أن المعنى : كيف شئتم ، مقبلة أو مدبرة ، وعلى كل حال ، إذا كان الإتيان في الفرج. وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطيّة ، والسّدّيّ ، وابن قتيبة في آخرين. والثاني : أنها نزلت في العزل ، قاله سعيد بن المسيّب ، فيكون المعنى : إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا. والقول الثاني : أنه بمعنى : إذا شئتم ، ومتى شئتم ، وهو قول ابن الحنفيّة والضحّاك ، وروي عن ابن عباس أيضا. والثالث : أنه بمعنى : حيث شئتم ، وهذا محكيّ عن ابن عمر ومالك بن أنس ، وهو فاسد من وجوه : أحدها : أن سالم بن عبد الله لما بلغه أن نافعا تحدّث بذلك عن ابن عمر ، قال : كذب العبد ، إنما قال عبد الله : يؤتون في فروجهنّ من أدبارهنّ. وأمّا أصحاب مالك ، فإنهم ينكرون صحته عن مالك (١).

____________________________________

والبغوي في «تفسيره» ١ / ١٩٨ والطبراني ١٢٣١٧ والطبري ٢ / ٢٣٥ وإسناده جيد رجاله ثقات كلهم. وقال الترمذي : حسن غريب وصححه الحافظ في «الفتح» ٨ / ١٩١.

__________________

(١) قال ابن كثير رحمه‌الله ١ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ : روى أبو داود عن مجاهد عن ابن عباس قال : إن ابن عمر ـ والله يغفر له ـ أو هم وإنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلّا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة ... فذكر القصة بتمام سياقها ، وقول ابن عباس إن ابن عمر ـ والله يغفر له ـ أوهم كأنه يشير إلى ما رواه البخاري عن نافع قال كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عنه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال. أتدري فيم أنزلت؟ قلت لا قال : أنزلت في كذا وكذا ثم مضى. وعن عبد الصمد قال حدثني أبي حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال أن يأتيها في؟ هكذا رواه البخاري. وقد تفرّد به من هذا الوجه. وقال ابن جرير عن ابن عون عن نافع : قال قرأت ذات يوم (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) فقال ابن عمر أتدري فيم نزلت؟ قلت لا قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. وروي من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولا يصح. وروى النسائي أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله [الآية] ، وهذا الحديث محمول على أنه يأتيها في قبلها من دبرها. لما رواه النسائي عن أبي النضر قال لنافع مولى ابن عمر إنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن قال : كذبوا عليّ ولكن سأحدثك كيف كان الأمر. إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) فقال يا نافع