منسوخ بقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، وبقي الحكم في غير أهل الكتاب محكما. والثاني : أنها ليست بمنسوخة ، ولا ناسخة ، بل هي عامة في جميع المشركات ، وما أخرج عن عمومها من إباحة كافرة ؛ فدليل خاصّ ، وهو قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، فهذه خصّصت عموم تلك من غير نسخ ، وعلى هذا عامّة الفقهاء. وقد روي معناه عن جماعة من الصحابة ، منهم : عثمان ، وطلحة ، وحذيفة ، وجابر ، وابن عباس (١).
قوله تعالى : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) ، أي : لا تزوّجوهم بمسلمة حتى يؤمنوا ؛ والكلام في قوله تعالى : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ) ، وفي قوله تعالى : (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) ، مثل الكلام في أول الآية.
قوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) ، قرأ الجمهور بخفض «المغفرة» وقرأ الحسن ، والقزّاز ، عن أبي عمرو ، برفعها.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢))
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ). روى ثابت عن أنس ، قال :
(١٠٥) كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهنّ لم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فأمرهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يؤاكلوهنّ ويشاربوهن ويكونوا معهنّ في البيوت ، وأن يفعلوا كل شيء ما عدا النّكاح.
(١٠٦) وقال ابن عباس : جاء رجل يقال له : ابن الدّحداحة من الأنصار ، إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال : كيف نصنع بالنساء إذا حضن؟ فنزلت هذه الآية.
____________________________________
(١٠٥) صحيح. أخرجه مسلم ٣٠٢ وأبو داود ٢٥٨ و ٢١٦٥ والترمذي ٢٩٧٧ والنسائي ١ / ١٥٢ و ١٨٧ وابن ماجة ٦٤٤ والطيالسي ٢٠٥٢ والدارمي ١ / ٢٤٥ وأبو عوانة ١ / ٣١١ وابن حبان ١٣٦٢ من حديث أنس.
ـ وانظر «تفسير القرطبي» ١١٦٨ بتخريجنا.
(١٠٦) أخرجه الماوردي في كتابه «الصحابة» كما في «أسباب النزول» ١٤١ للسيوطي من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس. وإسناده ضعيف لجهالة شيخ ابن إسحاق ، فإنه لا يعرف ، ولم
__________________
(١) قال القرطبي رحمهالله ٣ / ٦٥ ـ ٦٧. وقال بعض العلماء : وأما الآيتان فلا تعارض بينهما ؛ فإن ظاهر لفظ المشرك لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ففرق بينهم في اللفظ وظاهر العطف يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه.
وأما نكاح أهل الكتاب إذا كانوا حربا فلا يحلّ وسئل ابن عباس عن ذلك فقال : لا يحلّ ، وتلا قول الله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) إلى قوله (صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩]. وكره مالك تزوج الحربيات ، لعلة ترك الولد في دار الحرب ولتصرفها في الخمر والخنزير. واختلف العلماء في نكاح إماء أهل الكتاب فقال مالك : لا يجوز نكاح الأمة الكتابية. وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز نكاح إماء أهل الكتاب.
واختلفوا في نكاح نساء المجوس ، فمنع مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق من ذلك ، وقال ابن حنبل : لا يعجبني ، وروي أن حذيفة بن اليمان تزوج مجوسية ، وأن عمر قال له : طلّقها. وقال ابن القصار : قال بعض أصحابنا : يجب على أحد القولين : أن من لهم كتابا أن تجوز مناكحتهم. وانظر التعليق السابق.