نجران قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : ائتنا بآية كما أتى الأنبياء قبلك ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل (١).
قوله تعالى : (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) ، يريد : الكعبة (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) لأنّ اليهود يصلّون قبل المغرب إلى بيت المقدس ، والنّصارى قبل المشرق (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) فصلّيت إلى قبلتهم (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) ، قال مقاتل : يريد بالعلم : البيان.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦))
قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ). في هاء «يعرفونه» قولان : أحدهما : أنّها تعود على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قاله ابن عباس. والثاني : تعود على صرفه إلى الكعبة ، قاله أبو العالية ، وقتادة ، والسّدّيّ ، ومقاتل. وروي عن ابن عباس أيضا. وفي الحقّ الذي كتموه قولان : أحدهما : أنه النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قاله مجاهد. والثاني : أنه التّوجّه إلى الكعبة ، قاله السّدّيّ ، ومقاتل في آخرين. وفي قوله تعالى : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قولان : أحدهما : وهم يعلمون أنه حقّ. والثاني : وهم يعلمون ما على مخالفته من العقاب.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧))
قوله تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ). قال الزّجّاج : أي : هذا الحقّ من ربّك. والممترون : الشّاكّون ، والخطاب عامّ.
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨))
قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) ، أي : لكلّ أهل دين وجهة. المراد بالوجهة : القبلة ، قاله ابن عباس في آخرين. قال الزّجّاج : يقال : جهة ، ووجهة. وفي «هو» ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها ترجع إلى الله تعالى ، فالمعنى : الله مولّيها إيّاهم ، أي : أمرهم بالتّوجّه إليها.
والثاني : ترجع إلى المتولّي ، فالمعنى : هو مولّيها نفسه ، فيكون «هو» ضمير كلّ.
والثالث : يرجع إلى البيت ، قاله مجاهد : أمر كلّ قوم أن يصلّوا إلى الكعبة. والجمهور يقرءون : «موليها» ، وقرأ ابن عامر ، والوليد عن يعقوب : «هو مولّاها» بألف بعد اللام ، فضمير «هو» لكلّ ، ومعنى القراءتين متقارب.
قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ، أي : بادروها. وقال قتادة : لا تغلبوا على قبلتكم ، (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) ، قال ابن عباس وغيره : هذا في يوم القيامة. فأمّا إعادة قوله :
(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
__________________
(١) تكرر عن مقاتل سبب النزول هذا ، ومقاتل متروك ، فخبره لا شيء.