وقال ابن عباس : لمّا أهبط آدم ؛ قال الله تعالى له : يا آدم! اذهب فابن لي بيتا فطف به ، واذكرني حوله كما رأيت ملائكتي تصنع حول عرشي. فأقبل يسعى حتى انتهى إلى البيت الحرام ، وبناه من خمسة أجبل : من لبنان ، وطور سيناء ، وطور زيتا ، والجودي ، وحراء ، فكان آدم أوّل من أسّس البيت ، وطاف به ، ولم يزل كذلك حتى بعث الله الطّوفان ، فدرس موضع البيت ، فبعث الله إبراهيم وإسماعيل. وقال عليّ بن أبي طالب ، عليهالسلام : لمّا أمر الله تعالى إبراهيم ببناء البيت ؛ ضاق به ذرعا ، ولم يدر كيف يصنع ، فأنزل الله عليه كهيئة السّحابة ، فيها رأس يتكلّم ، فقال : يا إبراهيم! علّم على ظلّي ، فلمّا علّم ارتفعت. وفي رواية عنه أنه كان يبني عليها كلّ يوم ، قال : وحفر إبراهيم من تحت السكينة ، فأبدى عن قواعد ، ما تحرّك القاعدة منها دون ثلاثين رجلا. فلمّا بلغ موضع الحجر ، قال لإسماعيل : التمس لي حجرا فذهب يطلب حجرا ، فجاء جبريل بالحجر الأسود ، فوضعه ، قال : من جاءك بهذا الحجر؟ قال : جاء به من لم يتّكل على بنائي وبنائك. وقال ابن عباس ، وابن المسيّب ، وأبو العالية : رفعا القواعد التي كانت قواعد قبل ذلك. وقال السّدّيّ : لمّا أمره ببناء البيت ؛ لم يدر أين يبني ، فبعث الله ريحا ، فكنست حول الكعبة عن الأساس الأوّل الذي كان البيت عليه قبل الطّوفان.
قوله تعالى : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) ، قال الزّجّاج : المسلم في اللغة : الذي قد استسلم لأمر الله ، وخضع. والمناسك : المتعبّدات. فكلّ متعبّد منسك ومنسك. ومنه قيل للعابد : ناسك. وتسمّى الذّبيحة المتقرّب بها إلى الله تعالى : النّسيكة. وكأنّ الأصل في النّسك إنّما هو من الذّبيحة لله تعالى.
قوله تعالى : (وَأَرِنا مَناسِكَنا) ، أي : مذابحنا ، قاله مجاهد. وقال غيره : هي جميع أفعال الحجّ. وقرأ ابن كثير : «وأرنا» بجزم الراء. و «رب أرني» و «أرنا اللذين أضلانا». وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائيّ (وَأَرِنا) بكسر الراء في جميع ذلك. وقرأ أبو بكر عن عاصم وابن عامر كذلك ، إلّا أنّهما أسكنا الراء من «أرنا اللذين» وحدها. قال الفرّاء : أهل الحجاز يقولون : «أرنا أذين أضلانا» وكثير من العرب يجزم الراء ، فيقول : «أرنا مناسكنا» ، وقرأ بها بعض الثّقات. وأنشد بعضهم :
قالت سليمى اشتر لنا دقيقا |
|
واشتر فعجّل خادما لبيقا |
وأنشدني الكسائيّ :
ومن يتّق فإنّ الله معه |
|
ورزق الله مؤتاب وغادي (١) |
قال قتادة : أراهما الله مناسكهما : الموقف بعرفات ، والإفاضة من جمع ، ورمي الجمار ، والطّواف ، والسّعي. وقال أبو مجلز : لمّا فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل ، فأراه الطّواف ، ثم أتى به جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات ، وأعطى إبراهيم سبعا ، وقال له : ارم
____________________________________
قالوا : يا آدم من أين جئت؟ قال : حججت البيت ، فقالوا : قد حجته الملائكة قبلك» وإسناده ساقط وعلته سعيد بن ميسرة ، وهو متروك متهم ، وكذبه القطان ، وقال الحاكم : روى عن أنس موضوعات وقال ابن حبان : يروي الموضوعات ، انظر «الميزان» ٢ / ١٦٠.
__________________
(١) في «اللسان» المآب : المرجع ، وأتاب مثل آب ، فعل وافتعل بمعنى.