أبدعت. قال الخطّابيّ : البديع ، فعيل بمعنى : مفعل ، ومعناه : أنه فطر الخلق مخترعا له لا على مثال سبق. قوله تعالى : (وَإِذا قَضى أَمْراً) ، قال ابن عباس : معنى القضاء : الإرادة. وقال مقاتل : إذا قضى أمرا في علمه ، فإنما يقول له : كن فيكون. والجمهور على ضمّ نون (فَيَكُونُ) ، بالرّفع على القطع. والمعنى : فهو يكون. وقرأ ابن عامر بنصب النون. قال مكيّ بن أبي طالب : النصب على الجواب ل «كن» ، وفيه بعد.
فصل : وقد استدلّ أصحابنا على قدم القرآن بقوله : (كُنْ) فقالوا : لو كانت «كن» مخلوقة ؛ لافتقرت إلى إيجادها بمثلها وتسلسل ذلك ، والتّسلسل محال (١). فإن قيل : هذا خطاب لمعدوم ؛ فالجواب أنه خطاب تكوين يظهر أثر القدرة ، ويستحيل أن يكون المخاطب به موجودا ، لأنه بالخطاب كان ، فامتنع وجوده قبله أو معه. ويحقّق هذا أنّ ما سيكون متصوّر العلم فضاهى بذلك الموجود ، فجاز خطابه لذلك.
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨))
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) ، فيهم ثلاثة أقوال (٢) : أحدها : أنهم اليهود ، قاله ابن عباس. والثاني : النّصارى ، قاله مجاهد. والثالث : مشركو العرب ، قاله قتادة ، والسّدّيّ عن أشياخه. و (لَوْ لا) بمعنى : هلّا.
وفي (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم اليهود ، قاله ابن عباس ، ومجاهد. والثاني : اليهود والنّصارى ، قاله السّدّيّ عن أشياخه. والثالث : اليهود والنّصارى وغيرهم من الكفّار ، قاله قتادة (٣). (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) ، أي : في الكفر.
__________________
(١) لأنه يؤدي إلى حوادث لا أول لها.
(٢) قال ابن جرير الطبري رحمهالله في تفسيره ١ / ٥٦٠ : وأولى هذه الأقوال بالصّحة والصواب قول القائل : إن الله عنى بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) النصارى دون غيرهم لأن ذلك في سياق خبر الله عنهم ، وعن افترائهم عليه ، وادّعائهم له ولد. وقال ابن كثير رحمهالله ١ / ١٦١ : وفي ذلك نظر وحكى القرطبي (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) أي يخاطبنا بنبوتك يا محمد (قلت) وهو ظاهر السياق والله أعلم.
(٣) قال ابن كثير رحمهالله ١ / ١٦١ : وقال قتادة في تفسير هذه الآية : هذا قول كفار العرب (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) قال هم اليهود والنصارى ويؤيد القول وأن القائلين ذلك هم مشركو العرب قوله تعالى : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ). وقوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى قوله (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً). وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) إلى غير ذلك من الآيات الدّالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لا حاجة لهم به إنما هو الكفر والمعاندة كما قال من قبلهم من الأمم الخالية من أهل الكتابين وغيرهم كما قال تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً). وقوله تعالى : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ).